تأثير الفلسفة على الحركة التعبيرية بين توافق الرمز وتداخل العلامة البصرية

with No Comments

أثرت الفلسفة بشكل يكاد يكون كبيرا وعميقا في توجيه تصورات الفكر والفن والأدب والثقافة في مساراتها الحداثية وفي خطاها نحو التجريب التعبيري ورفض الإملاءات التي كانت تخلق القيود وبالتالي ساهمت في فتح منافذ نحو التفكير والبناء والهدم والدحض والتعبير الحر بمنتهى الحدة التي تحمل الفكرة والصورة من أقصى الهدوء إلى أقصى الصخب، وهو ما ساهم في نشأة الحركة التعبيرية كتيار ثقافي شامل ومستقل بذاته فتح بدوره بوابات العبور نحو فنون ما بعد الحداثة في عالم الفنون التشكيلية والبصرية.

harold frank*

حيث كانت الفلسفة المحرك التصويري الأول والمؤثر في بناء مشاهد الواقع وتفعيلها الحسي والعاطفي والذهني وهدمها وإعادة صياغتها من جديد بشكل وصورة وفكرة ورمز وعلامة وحضور وإحساس جديد.

*أسامة دياب

فكانت أول بوادر التواصل الفني مع الواقع هي التي جعلت من الحركة التعبيرية جسرا بين الفنان وواقعه بشكل مباشر وبين عالمه الفرداني، فكانت له المتنفس البصري لكشف علاماته ورموزه وتحديدها حسب منطق التواصل مع تناقضات الخيال والصدمة وكذلك توظيف المنهج المبني على الأطروحة البصرية ونقيضها والتكامل المنطقي للبحث عن التصور الصادم في طرح الحقائق وكذلك الطرح العام للأسئلة وتفعيل فكرة الوجود وترسيخها بعلاقة الأسلوب العام للبناء والهدم والعدمية والعبث من أجل التكامل مع الأسئلة القادرة على مواجهة الواقع ودحضه وتفكيك الرؤى العامة وإعادة ترتيبها.


*سمير الصفدي

ولعل ذلك ما ترتّب بشكل حديث ومختلف مع الفلسفة العقلانية التي بناها فلاسفة ألمانيا بالخصوص التي أسّست لعناصر البحث في الثقافة في الأسطورة في الرمز في الكون خصوصا مع فلسفة نيتشه وشوبنهاور والتواصل التحليلي لفلسفة عالم النفس النمساوي سيغموند فرويد وتصورات الفلسفة الأدبية في حركة الأدب الروسي ومنهج كافكا وقصائد بول كلين مع زخم البحث التجريبي في الفنون والأدب والشعر التي ميّزت ما بين الحربين العالميتين وما تركته من ايديولوجيات كثّفت آثار التناقض وشكّل مواقف وصدمات.

Vincente Rojo*

وهو ما أسس لروح تفصيلية في تكوين التعبيرية الألمانية التي كانت مهد التعبيرية وكانت لها علاقة مميزة مع الفلسفة والجدل الفكري منذ ظهورها سواء مع مجموعة الجسر أو الفارس الأزرق فكان للتعبيرية في الفن التشكيلي علاقة خاصة مع الشكل من حيث التوظيف الصادم المبني على قمع التمييز بين الشكل الخارجي والشكل الداخلي مع طرح المستوى التفاعلي عاطفيا ذهنيا وبصريا بين الشكلين وبالتالي إجبار الشخوص ومعهم الفنان على التقاط القوة الشخصية لذاتيته التي تكون مُؤسّسة على المشاعر والتصورات والأفكار فيما بينها، فتتصارع لتستثير بالصور الجرأة العامة في خلق الصدمة وهي تفكك تناقضات فكرة الموت والعدمية والاستقرار والنفي وفق رموز مختلفة وعلامات متباينة وتراكيب لونية متجدّدة.

nina-levy*

فالتعبيرية التشكيلية كانت البديل التفسيري لكل ذلك المحتوى الذي حمل رؤى مختلفة للفكرة المبهمة وبالتالي تكوين اللغة المجرّدة للفلسفة حيث تفاعلت مع كل ذلك بالصور والمشاهد والألوان في زخم حيوي يبالغ في تجسيد تلك الخيبة الإنسانية الرهيبة التي لم تجد لها الفلسفة مجالا ينقذها من سوداوية البحث الا في التجربة التشكيلية لتكون الانتصار التعبيري الذي فسّر فلسفيا وبالصور فكرة الموت الصادم وبشاعة الانهيار التي طمست الحياة حتى بدت التعبيرية التشكيلية مفتونة بالموت إلى درجة الهوس الذي جعل انجذابها تعبيرا عكسيا لمواقف بصرية تحمل نفسا عميقا وعظيما للحياة.

*عدنان يحيى

إن التفكير الفلسفي والتوافق البصري التعبيري تم بناؤه بالاتكاء على الفكر الفلسفي ومفاهيم القوة المبنية على الفرد في الكون والطبيعة والحياة والموت بكل تفصيل أبدي حلّله فلسفيا نيتشه ليكون أيقونة التعبيرية في الرمز اللوني ودلالة العلامة فيه وفي الاحجام والحركة والتقابل والتضاد في حركة الفرشاة ومدى عمق التفاعل بينها وبين اللحظات الثابتة خصوصا في المواقف البصرية التي ميّزت الحركة قبل وبعد الحرب العالمية الأولى وبالتالي اعتبر نيتشه بفلسفته الملهم الأول للتعبيرية وأفكاره هي منفذ لإصلاح الفن وحمايته من السقوط في حفرة الفن المنحط لأنه لم يكن ملاذا للفرد للاحتفاء بشخصيته المطلقة وتأكيد هيمنته بل العودة أكثر لمستويات القيمة والابداع.

*عبد الرحيم سالم

*بسام كيرلس

*الأعمال المرفقة:

متحف فرحات الفن من أجل الإنسانية

Farhat Art Museum Collections

Leave a Reply