خاص شجون عربية – بقلم: براءة يوسف
أربعون عاماً مضت على ذكرى مُوحشة حملت الكثير من المأساة والحزن، مسّت الإنسانية جمعاء، مجزرة مخيمي صبرا وشاتيلا التي وقعت عام 1982 وراح ضحيتها مئات اللاجئين الفلسطينيين والمواطنين اللبنانية في المخيمين الفلسطينيين في لبنان.
آمنة حسن بنات المعروفة بـ”أم عزيز الديراوي”، هي لاجئة فلسطينية قضت أربعين عاماً متمسكة بأمل عودة أبنائها الأربعة الذين اختطفوا خلال مجزرة صبرا وشاتيلا، لتفارق الحياة قبل أسبوع تقريباً، بعد معاناة ألم وغصة الانتظار يعتليها أمل كبير أمضته منذ عام 1982 حتى اللحظات الأخيرة من حياتها.
لم تكن أم عزيز لتستسلم للقدر المؤلم الذي لحق بأبنائها الأربعة، بل كانت تسعى جاهدة للمطالبة بكشف مصير أبنائها وجميع المخطوفين خلال الحرب الأهلية اللبنانية. حملت في قلبها الكثير من المعاناة والألم لجهلها بمصير أبنائها الذين لم تفارقها ذكراهم يوماً.
هناك في مخيم برج البراجنة جنوب العاصمة اللبنانية، كانت تقطن أم عزيز مع صور أبنائها المعلقة على جدران المنزل، حاملة في قلبها غصة اللجوء وحزن الفراق المجهول الذي حلّ بأبنائها، عزيز وابراهيم ومنصور وأحمد، كانت تتراوح أعمارهم عندما اختطفوا بين الثلاثين والثلاثة عشر عاماً.
حادثة اختطاف أبناء أم عزيز
بحسب ما صرحت به حفيدة أم عزيز لإحدى الوسائل الإعلامية أن جدتها روت لها حادثة اختطاف أخوالها الأربعة قائلة: “كعادتها، تستيقظ جدتي باكراً، تجهّز الطعام لأبنائها الأربعة، عزيز وإبراهيم ومنصور وأحمد، تقبّل أصغرهم ثم تذهب لتشتري بعض الخضار”.
وتتابع: “اشترت جدتي حاجاتها وعادت إلى البيت، الذي دخلته فلم تسمع صوتًا لتطلّ زوجة عزيز وهي ترتجف، وتخبرها بأن جنودًا وعساكر اقتحموا البيت وأخذوا أبناءها الأربعة، قائلة إنها اختبأت لتحفظ نفسها وابنها”.
وأضافت أن جدتها “ركضت باتجاه شاحنات عسكرية تحمل عشرات الشباب المختطَفين، فسمعت صوت عزيز من داخل الشاحنة المعتمة يناديها: يما، أنا هون (أنا هنا يا أمي)”.
وأردفت: “اقتربت جدتي من الشاحنة أكثر لتُطمئِن عزيز وتَطمئِن عليه وعلى إخوته، لكن أحد العسكريين ركلها وطرحها أرضًا، ثم بدأ عساكر آخرون من الخاطفين بتوجيه اللكمات لعزيز، فسال دمه على وجهه وتناثر على كنزته قصيرة الأكمام، وكانت (أم عزيز) قد حملت إليه قميصاً طويل الأكمام عله يحميه برد أيام أو ساعات قليلة، لكنهم منعوها من إيصاله إليه”.
وأوضحت الحفيدة: “كانت جدتي تتمسك بخيط من الأمل، تنتظر أبناءها ولا تصدّق أنهم ضمن 991 رجلاً وامرأة فُقدوا في (صبرا وشاتيلا)، ولن يعودوا”.
أملٌ وصبر
أمضت أم عزيز ما بقي من عمرها تبحث عن أبنائها المخطوفين أملاً بلقياهم شهداء كانوا أم أحياء، كانت تقود أهالي المخطوفين والمفقودين في كل مكان، حاملةً صور أبنائها الأربعة، تجوب الشوارع صباحاً مساءً علّها تلقى خبراً عنهم، ولم تتوانَ عن الذهاب إلى المؤسسات الدولية والإنسانية وسفارات الدول المختلفة داخل لبنان. كما قضت أكثر من عشر سنوات في خيمة أمهات المفقودين التي أُقيمت لسنوات أمام مقر الإسكوا في بيروت، حيث كانت تتابع قضية أبنائها وبقية المخطوفين.
وعلى الرغم من بصيص الأمل الصغير إلا أنها لم تستسلم يوماً ولم تيأس من أمل العودة أو سماع خبر يُطفئ جمر الشوق في قلبها. ففي كل مرة يُشاع خبر حول المختطفين في الحرب الأهلية كان أملها يتجدد بسماع خبر عن أبنائها، إلا أن هذا الأمل سرعان ما يتلاشى بعد سؤالها الذي لا إجابة له، لترحل أم عزيز عن عمر يناهز 93 عاماً من دون معرفة خبر صغير عن أبنائها الأربعة.
أم عزيز أيقونة للصبر والقوة
أشاد العديد من الكتاب والفنانين بأم عزيز وصبرها الذي كان عنواناً للكثير من اللوحات التي رسمها فنانون كبار، والعديد من الكتابات التي حملت معاني الصبر والانتظار، هذا ما جسدته لوحةٌ للفنان اللبناني محمد حرب، الذي أوحى من خلالها بمعاني الانتظار ولوعة الفراق، وفي ذلك يقول الفنان: “أم عزيز والانتظار، والصبر والثبات، والزمن يسير ببطء، انتظرت نور عينيها، أربع شموع أُطفئت، سكبت عليها دموعاً لعلها تُضيء من جديد، لكن أملها أصبح لوحةً معلقةً على الجدار بجانب الأحبة”.
كما جسّد الفنان عبد المجيد نوفل معاناة أم عزيز وصبرها من خلال لوحاته التي حملت معاني الصبر والانتظار الموجع الذي عاشته أم عزيز بفراق أبنائها الأربعة، هذه المشاعر امتزجت في عملين فنيين عبّر من خلالهما الفنان عن الحرقة التي عاشتها أم عزيز وهي تنتظر أبناءها.
أم عزيز واحدة من النساء الفلسطينات المضحيات، عانت من ظلم الاحتلال ووحشيته، اضطرت للنزوح من وطنها ومنزلها، فقدت أبناءها وأمضت ما بقي لها من عمر تنتظر وتنتظر لتنتهي رحلة الانتظار في مستشفى الهمشري بعد معاناة مع المرض، علّها تكون مع أبنائها يوماً في عالم آخر، أفضل من هذا العالم.
Leave a Reply