تلعب أعمال الفنان «بسام كيرلس» Bassame Kirillos دورا هاما في تجسيد الفلسفة الجمالية المصحوبة بروح الحضارات التي تندثر وتشهد على كوارث من صنع يد الإنسان أو حتى من تأثيرات تمثيل الحياة بالشكل المفترض للبداية والنهاية وللتجديد المتوارث من جيل لجيل. إذ يعتمد على إبراز الهياكل الفنية واستراتيجياتها في تشكيل معنى انحراف الأمم وانقلاب معايير وجودها في أمكنة تحمل شحنة من تأريخ بنائي، وآخر وجودي لخلل نشأ من صراعات تؤدي الى هلاك الحجر والبشر، فحتمية الفناء تنعكس على وجود سابق هو هوية جيل تشكّل زمنيا في أمكنة استمدت واقعها ضمن مزيج من محاكاة لحروب هي معادلة لدمار وفناء من خلال العناصر النحتية أو حتى رسومات رمزية تنطلق من تعبيرات تتناقض مع الحنين بتجريد لعودة زمنية ذات جدلية تعكس صورة الحروب، وتأثيراتها على الأمكنة الصارخة بأوجاع الإنسان ومعاناته من قسوة الحروب وقسوة فراغاتها وشراستها المدمرة، والمؤثرة على الإنسان المغادر لأبنية سكنها في ماضٍ وتئنّ في حاضر من مضامين تندمج مع غرابة المعقول واللامعقول يمنحها كيرلس وجوها متنوعة فنيا. فهل يتحكم الواقع الزمني برؤية الفنان؟ أم أن دينامية النحت والرسم تتأثر بالأوضاع المعيشية التي يحياها الفنان؟ وهل تفكك الشعوب يشبه تصدّع الأبنية رغم تماسك هياكلها؟ أم أن التكاوين التجريدية هي صلابة لتكاوين من صنع الإنسان؟
يعطي الفنان «بسام كيرلس» رؤية لأشياء مختلفة من مقاييس بنائية تتحدّى الخراب بوقوفها المستمر في وجه المراحل الواقعية المختلفة لمؤثرات العولمة وتدفقاتها لحالات متسارعة من دمار مبني على المربعات بمختلف جزئياتها وعوائقها في التماسك والانهيار، إضافة لخلوّها من روح الحياة، إلا أن من جمالياتها هي العودة الى التشكّلات المناطقية لكل نظرة بنائية ترجمها من خلال رسومات ذات أبعاد نحتية حققها وفق تجسيدات هي تعبير عن ظاهرة دوران العمران والخراب، وهذا ما يؤثر على تغيير المشهد الإنساني وشدّة خطورته على الأمكنة التي يتم تحديثها لاحقا، إلا أنها تُعزّز بشكل غير محسوس الخصائص الفنية للشكل وفلسفته الوجودية بحثاً عن التغيير في المشهد النحتي اللبناني تحديدا، والعالمي عامة في غضون ثقافات التخلي عن الأمكنة ذات الفراغات الشديدة الخطورة، والتي تصبح لاحقا من ماضٍ كان دليلا على قوة التعايش في كافة المربعات أو بين كافة المربعات والتي تجسّد الإنسان بكافة طوائفه ومذاهبه وانتماءاته. فهل عنف الحروب هو دمار لمربعات تتشكل في أعمال الفنان بسام كيرلس؟ أم أن الأزمات الناسفة لجغرافيا الأمكنة هي تمثيل لغضب واستنكار فني يقدم من خلاله الفنان مساحات ذات خاصية محسوسة تهدف الى تقديم نظرة تاريخية للحروب من خلال الحروب؟
يكفي استقرار المفاهيم المعززة بتحديث لتاريخ حروب البشرية ومؤثراتها على خلو الأمكنة من ساكنيها، وبقاء الهياكل لتشهد على المعنى الثلاثي لكينونة الأشياء التي تغادرنا ونغادرها، وهي الأكثر إلحاحاً لتجسيدها أو لمنحها روحية تعتمد على الأحداث كافة ماضيها حاضرها ومستقبلها، إذ يكتفي «بسام كيرلس» أن يختصر الأحداث المرتبطة بتاريخ حروب لا تنفصل عن هموم البشرية الأكثر وضوحاً في أعماله بمعزل عن الحياة المعاصر التي تتغيّر بشكل سريع وباستمرار، إلا مشهد مخلّفات الحرب، إذ تتشابه التفاصيل مع تلك التي يشكّلها وسط فراغات تتصل ببعضها، لأن حياتنا نعيشها بشكل كليّ كتلك الأبنية وظروفها المقاومة للفناء وفق طبيعة أعمق لمعنى التشرّد، وما هو غير مألوف لهجرة أبناء الساكنين الذين غادروا وتركوا المكان عبر زمن ضائع هو عمل فني يؤرخ لحقبة عاشها الإنسان بتهديم، وبخراب ترك فيه مربعاته خالية وهي المساحة الحياتية المخصصة له.
من مجموعة متحف فرحات
This tent has been illegally sold by the artist Bassam Kyrillos for no justifiable reason except greed and unethical conduct. It was part of the Tent City Project.
Leave a Reply