تحملنا أي تجربة تشكيلية فلسطينية إلى عدّة تأملات وبحث دائم عن الخصوصية وانتصار بديع للذاكرة والانسان والتواصل الدائم مع الأرض والجذور والانتماء إلى الأمكنة والواقع وتجرّد تجريبي للخيال والصورة والمشاهد والمشاهدات، وهو ما خلق التنوع بين كل تجربة والتفرّد عبر كل جيل باختلاف انتماءاته التي اكتسحت العالم دون أن تنفصل عن كل تلك التراكمات التعبيرية، لتعيده إلى البصمة الأولى لفلسطينيته الخالدة، وهو ما يعمل التشكيلي الفلسطيني المقيم في سورية أحمد الخطيب على دعمه بتصورات رؤيوية لها تراكمات مركزية يحاول نشرها وتطبيقها على أفكاره ومفاهيمه ليترفّع عبرها من جوانب المألوف في الحركة التشكيلية الفلسطينية إلى المختلف عبر ألوانه وشخوصه ومواضيعه التي يتكامل معها بين السريالية والواقعية والتعبيرية وفق خصائصه التي تثبّت فلسفته البصرية والجمالية.
والفنان التشكيلي أحمد الخطيب تخرج من معهد إعداد المدرسين قسم العمل اليدوي وهو عضو في اتحادي الفنانين التشكيليين السوريين والفلسطينيين فرع سورية وفي تجمع فناني فلسطين، يعمل مدرسا للفنون الجميلة في المركز التربوي للفنون التشكيلية، قدّم عدة معارض فنية وجماعية وله تصورات بصرية وفنية متفرّدة تجمع الواقعية والتعبيرية والسريالية.
تستجيب الدلالات والدلائل البصرية التي يشكّلها الخطيب في مقاصدها، لواقعه ووقوعه في لحظة التعبير الأولى التي تتراءى مع علاقاته الإنسانية وتطويعه للأحداث والأمكنة التي يشكّلها ويستجيب لحواسها وعواطفه المتراكمة معها والكثيفة في تداخلاتها تبعا لشروطه الفكرية التي يريد إيصالها للمتلقي من خلال بثها في عمق اللوحة وتحديد تفاصيلها من خلال مشاركاتها في الأحداث، فمرة يخلق في المتلقي الأسئلة والحيرة ويدعوه للغوص داخل المنجز الفني ومرات يطرح الأجوبة ويتنقل معه في أفق البحث عن الوجود بأسلوب تعبيري واقعي رغم تناقضات الصورة الفوق واقعية التي يطرحها أحيانا ليخلق الدهشة البصرية.
يتأصل المنجز الفني الذي يقدّمه الخطيب في تلوناته الموزونة بروح الأمكنة ودلالاتها التعبيرية القدس بيروت دمشق وما تحمله من معان لها تعابيرها وتراكم التاريخ والواقع فيها، فيحاول معها أن ينشر مفاهيمه من خلال ما تتركه من أثر بصري وانساني حسب كل حالة وكل قضية وكل امتداد انساني له مبالغاته الحسية التي تشعره بوجوده ومشاركته في هذا الوجود من خلال كل لون وعند كل اشعاع، حيث يحمل فكرته التي تتفرّع من كل محتوى لتلامس الواقع الخاص له ولكل متلق.
فهو ينتشر عبرها في مساحاته يلمع ويخفت يمتد ويضمحل يتراءى ويتوارى وكأنه يلقي تطارحاته بعيدا عن السطح والسائد متأملا في ذاته وانبعاثه وهوما يتجلى في اختيار اللون وانتقاء قيم المساحة وعناصر اللوحة ليقيم توازنات ملونة لها تناسقها المتناغم حتى يرتقي أبعد بفنه عن الفوضى.
يثير في كل حركة ولون ميلوديا تمزج الهدوء مع المفردة التشكيلية وصياغاتها الرمزية وكتلها التي تتهاطل وتتكاثف باحتراف دقيق بين الرسم والتشكيل في بعث الملامح العامة والتدقيق في الأبعاد والزوايا والمحتوى المشكّل للبناء والمحتوى والمعنى فبين الواضح والتأويل تتوافق القراءات وتغوص أبعد في كل أيقونة بصرية يرسلها أو يلمّح لها أو يستقطب الناظر إليها حتى يثير بها أسلوبه الحرفي المعاصر الذي يجتمع بمقاييس جمالية متوازنة بين الفكرة والحاسة بدقة مرهفة ومتفاعلة مع روح الفهم التي يحاول تفكيكها.
استطاع أحمد الخطيب من خلال تجريبه الفني واستقائه الوافر من التجارب التشكيلية الفلسطينية والسورية أن يمتلك قدرة تعبيرية هائلة ساعدته في تكثيف السرد البصري في لغته التشكيلية وتنويع اختياراته وتطويع المساحة التي تفاعلت مع رموزه من خلال التقنية الفنية والجمالية حتى يقدّم رسائله ومفاهيمه الغارقة في فيض الواقع ومداه المتوافق مع كل طرح وقيمه وما يعكسه على المتلقي.
يشرع الخطيب في أعماله الفنية إلى دعم ألوانه بمثيراته الحسية وانتقالاته البصرية التي تلتقي وتندمج مع التراث الفلسطيني وتعكس تأثره المسبق به ومع ما يتوافق في روحه من عمق في الموتيفات والألوان والدلالات التي يعالج بها الأساس الأول للإنسانية، إذ يتابع مراحل تكوينه للوحة منذ انبلاج البذرة الأولى للإلهام الصادح بالفكرة في مهد الأرض ويتبع خطواتها باحثا عن المعنى المكوّن لها والرسالة التي يتكئ عليها الادراك الواعي بحضورها الفني المتوافق مع زخم التفاعل الحر في فلسفتها المتناقضة والمتجانسة والمتداخلة مع المادة الفنية والحسية.
فهو يصيغ أبجدياته وفق تمازجه مع الكلاسيكي ليصل إلى التماهي المعاصر معها ويبلورها لخدمة تصوراته التي يطرحها بصريا على رؤاه التجريبية في التقنية والخامة والأسلوب لتعالج الواقع الإنساني اليومي سواء للفلسطيني أو السوري أو الانسان في كامل أنحاء العالم بكل ما يعانيه ويعايشه.
*الأعمال المرفقة:
متحف فرحات الفن من أجل الإنسانية
Farhat Art Museum Collection
Leave a Reply