يؤمن التشكيلي والحروفي صالح الهجر بأن الفن لا يقف عند عتبات الكثافة في الإنجاز ولا عند حدود البحث الجمالي بل يتجاوزها ليصنع التكامل في فنه والتمازج لذاته مع كيانها الإنساني فيرسم مع كل ذلك فكرة العطاء الفني الحقيقي.
فقد شكّلت لوحاته مؤخّرا الحدث بدخولها عالم اللوحة الرقمية المشفرة NFT، ضمن منصة Art Reflect Nft.
حيث تم تحويل أول لوحة من أعمال الفنان صالح الهجر باسم «لوحة من أجل الإنسانية»، وهي من مقتنيات مركز الطارق للتأهيل والتوحّد بالإمارات، تم تخصيصها لفائدة حملة « انقذ حياة الطفلة جولي» التي تعاني من الضمور العضلي الشوكي، بمبلغ 9ملايين درهم إماراتي لفائدة الهلال الأحمر الإماراتي في حفل خاص أقيم بعنوان « 50 لوحة ومحاضرة من أجل الإنسانية ».
وتجدر الإشارة إلى أن صالح الهجر فنان تشكيلي سوري استطاع أن يحفر اسمه في صفحات الفن والإنسانية والتعبير التشكيلي الحروفي العربي ويحقّق بأسلوبه رؤى طالما استدرجته بالتجريب ليكوّنها ويفعّلها وينطلق عبرها نحو ذاته التي انتصرت للعلامة والعناصر والخامة والحروف والمعاني ومفاهيمها حيث اقتنت أعماله عدّة مجموعات ومؤسّسات منها مؤسسة متحف فرحات الفن من أجل الإنسانية، كما كانت له عدة مشاركات خيرية لها تأثيرها الإنساني والفني والجمالي.
الخط علامة التميّز التشكيلي والحرف أصل الحضور الجمالي والتجريد احتواء فني
ولأن الحرف العربي هو الرمز الخالد في تصورات الهجر البصرية، انطلق به ومعه لتثبيته رمزا من رموز الحركة التعبيرية التشكيلية الحديثة والمعاصرة وكيان جمالي له خصوصياته الحضارية وحضوره التراثي وانعكاساته الروحانية التي تستدرج العين والذهن والحواس إلى مناطق أبعد في التمكين الفهمي وأعمق في الحس المجازي بلغته البصرية.
حمل الفنان التشكيلي السوري صالح الهجر انطباعاته وتفاعلاته الذهنية المُشبعة بالكثافة، ليصنع هويّة فنية تشكيلية عربية معاصرة، استطاع من خلالها أن يتشكّل في مواسمها المُزهرة بألوانه التي تجرّأت على الفراغات في المساحة لتستحيل معها إبداعا يتراقص ويتصارع ويتمادى ويتماهى بتناقض استفهامي أبعد وأعمق في تكويناته المجادلة للواقع بالفن.
فهو يؤسّس لوحاته الحروفية بتجريب ابتكاري يبتعد فيه عن السائد المقروء باللغة الفنية البصرية التي طالما آمن فيها بأن الخط علامة التميّز التشكيلي وأن الحرف أصل الحضور الجمالي وأن التجريد احتواء فني.
فقد استطاع الهجر أن يخلق همزة وصل إبداعية وجمالية في أعماله بين التأصل والابتكار أكمل بها شغفه التجريبي ومساره التجريدي ليعبّر في اللوحة الحروفية عن اللغة البصرية التي تجاوزت فكرة اللغة اللفظية في اللوحة الخطية تلك اللغة التي قد تضيّق حدودها عن الفهم الفني في البحث التشكيلي بوصفها تعتمد الحرف أكثر من المعنى وتركّز على المعنى لابتكار الأسلوب وبالتالي تعمل ضمن توليفات بصرية تتجاوز البعد الواحد بالبحث عن أكثر من بعد في التعبير.
يحمل الشكل والحرف والخط واللون لصالح الهجر توافقات التعامل مع الصيغة التشكيلية في تعاطيها مع المعنى وماورائيات التعبير فالتجريب اللوني المعاصر هو منفذ للتجريد الذي تعاطى مع الحرف بتوازن استطاع أن ينتقل من الحركة والهندسة الى اكتساب روحانية تمكّنت من التشكّل والتعدّد الذي وهبها دلالات بصرية استنطقت الأمكنة والذاكرة والحنين والملامح دون أن تشكّلها بتصوّراتها المشهدية ولكن بالسرد البصري من خلال الحرف، لينبش من خلالها القصة والصمود والأهمية والتاريخ والحضارة والانتماء، كل ذلك ضمن توليفات وإيقاعات حملت الميلودي الحروفية بصريا نحو عمق الموسيقى بانسيابية لونية لحنية فيها.
فاللون والحركة هي التي تندفع نحو الرؤى البصرية للمتلقي الباحث عن المعنى فتستدرجه نحوها ليندمج معها ومن ثمّة يبحث فيها عن قراءاته المجرّدة وتفاعلاته التجريدية مع الرمز وبالتالي تنتابه اللغة البصرية فيتماهى معها في الألوان ومداها وتدرجاتها الضوئية وأبعادها.
إن اللون والحركة والكثافة والأبعاد في أعمال الهجر تفتح منافذ الجدليات البصرية التي تحاكي المعاني الكامنة في اللغة البصرية المقصودة والقادرة على ترويض عين المتلقي وإثارتها بتلك الحركة أكثر من البحث الطبيعي عن فك رموز اللغة لفظيا، وبالتالي يعمد بالحرف إلى تكوين الرمز وتكوين الحواس بحماس ينطلق أبعد في حكمة اللون وشغب التدرج المعلن وكأنه يوظّف من المساحات خيالا يتعانق ويتنافر ويلتحم وينفصل ليعود بتصوّراته الجمالية الغارقة في التوازن الذي يفتح للمتلقي مدنا تسكن الذاكرة فتعبُر من تاريخها إلى اللوحة.
استطاع الهجر أن يخلق توليفات ابتكارية في مساحة اللوحة ومن عمق الفراغ ومفاهيمه المتماهية بين العمق والإيهام والتسطيح وتشكيل المساحة من اللون وترويض الحرف، ليعمد إلى مزج الأسلوب الغربي وفلسفاته الوجودية مع الأسلوب الحروفي وحكمة الخط العربي الروحانية فتوازن الأسلوب في تماسها بين الثبات والأفق.
إن الفضاء اللوني الذي يعمد الهجر إلى تفعيل الحرف فيه بالتركيز على حجمه وحضوره دون غيره يحمل دلالات متعدّدة ويركّز توظيفاته الضوئية على التحوّل من العلامة اللفظية إلى الرمز المنطوق بصرية بدلالات لها معانيها التي تتكاثف فتخترق الحواجز الشكلية نحو التجريد بوجدانية لها تأويلاتها التي تستنطق الواقع دون أن تنساب معه مباشرة، فالفنان يتجادل مع الرؤى الذهنية والذاكرة البصرية تاركا الحرية للحروف إما للالتحام أو الانعتاق، للتكاثف أو الانفصال، للتراكم أو الفراغ.
*الأعمال المرفقة:
متحف فرحات الفن من أجل الإنسانية
Leave a Reply