معتقل الخيام و ما شهده من هول الاسر العشوائي من قبل الاحتلال الاسرائيلي للبنان عام 1982, دخل من موقعه الجغرافي في بلدة الخيام جنوب لبنان و المطلة على أرض فلسطين السليبة حيث باسمها ينتهك الاسرائيلي كل الأعراف و كل المحافل, الى الوعي الفكري المناهض للعداء للانسانية, و تحول الى رمز كبير,تجلى في كتابة النصوص الأدبية و الشعرية و السينما التسجيلية و الوثائقية و الأعمال الموسيقية و الغنائية الملحمية,و كتبت فيه الروايات الأدبية و المذكرات و دفاتر من الأقلام التي اتسعت و ما زالت تنهل منه مناشدة من لحق بالمجتمع و الرأي العام العالمي من هول و فظاعة,جراء ما فعله الاسرائيلي بأجساد المعتقلين اللبنانيين و الفلسطينيين في سجن الخيام.[فاصل ناعم]كما و ان معارضا تشكيلية و نحتية و فوتوغرافية تشاركت في طبع هذه المعاناة باللون و الضوء و الخط, ليتشكل معتقل الخيام كصرح انساني فني في وجه الظلم.و في عام 2002 تلاقى مجموعة كبيرة من الفنانين التشكيليين العرب و الأجانب,ليحولوه الى محترف كبير اتسعت فيه التجارب و الرؤى الفنية الخلاقة لاستشراف معنى جديد و معاصر للوحة ممزوجة بمشاعر الأسى و فرحة انكسار القيد. و للمهزلة قام العدو الاسرائيلي, الذي شن حربا على لبنان في تموز 2006 و دمر بناه الفوقية و التحتية,بسحق معتقل الخيام و تدميره بعد أن كان قد خرج منه ذليلا بفعل المقاومة الوطنية الاسلامية اللبنانية عام 2000,و ذلك لشدة رعبه من تحول هذا المعتقل الى شاهد عصري على جرائمه. كان قد سبق لنعيم فرحات مؤسس متحف فرحات للفن الانساني أن زار لبنان عام 2004, حيث اقتنى مجموعة الملتقى الفني التشكيلي التي حولت المعتقل الى نظرة فنية تشكيلية مليئة ومكتنزة بالجروحات اللونية,و بذلك نجت أعمال الملتقى من التدمير الذي لحق بالمعتقل, بينما دمرت المنحوتات و الأعمال التركيبية الكبيرة و من الجمال أن نقرأ تجربة الملتقى الفني التشكيلي لما فيها من أهمية علاقة اللوحة بالموضوع المرتبط بالمعاناة الانسانية.
كرسي التعذيب لوحة للفنان الاماراتي عبد الرحيم سالم,و هي مستوحاة من هذا المعتقل…الانتظار,الجلاد و الضحية,الموت على كرسي التعذيب..الاحتلال موت دائري يسد كل زوايا الحياة و الرفض و الامتناع و الانقباض الجسدي التوتري الرافض,حيث تجسد ذلك بالخطوط المتكسرة بعصبيتها على حركة الجسد,حيث كل مناعة تتصدى للخروج,حيث الاحتلال يعني الاذعان و الموت اللاارادي و الرفض بمثابة تمسك بالحياة و العدالة و العيش الواضح المشرق.أما اللون الأصفر في منتصف اللوحة,فما هو الا فضيحة عن حجم و هول تلك المأساة.ياتي تكوين اللوحة لمعنى الانزلاق الانساني بعد أن تبدلت معاني الانسانية بفعل المفاهيم الخاطئة و المتقلبة لهذا العالم.
– الظل الأسود – اختار الفنان العراقي عباس الكاظم قاعة الشمس لعرض عمله,و هي الفسحة التي كان يخرج اليها الأسير من زنزانته لبعض الوقت,حيث وضع ثمانية أسرة حديدية من بقايا المعتقل.تعامل الكاظم في عمله التركيبي”الظل الأسود” مع الموضوع بواقعه و تكوينه من جانب أساسي و مباشر دون مواربة فنية,بل مواجهة في كشف فضيحة الاعتقال حيث في هذه الفسحة في قاعة الشمس لم يستطع الأسير أن يتفلت من ظل العسكري الجلاد الذي بقي ظله مطبوعا فوق الأسرة و في فضاء المعتقل,كبديل عن الفضاء الحقيقي و سماء الحرية.واقعية عمل الفنان هي بساطة في معادلة واضحة و صريحة كصرخة عالية ضد الاعتقال,اضافة الى بناء تركيبي فسيح يجسد الحالة و ضدها.
– اللقاء- اختار الفنان عبد الجبار يحيى في لوحته”اللقاء” لحظته التشكيلية ليوثق لقاء الطمأنينة بعد قهر الأسر,ليرسم الأسير و الأب محتضنا أبناءه بين يديه,و هو في ثياب الاسر لحظة خروجه الى الحياة,بينما المرأة,الزوجة..غافية محنية الرأس بين الوعي و اللا وعي,بين نشوة الفرح و غيبة الانتظار…تكوين لوحة عبد الجبار مصوب بكليته نحو الأسرة و العلاقة الأسرية و مخاطر المعتقل على واقع الأسرة حيث يدخل من العام الى الخاص و بالعكس.
الهمجية- كأن مجموعة الملتقى جانست أفكارها بكل الأبعاد التشكيلية,حيث و ان تنوعت الأفكار الا أنها توحدت حول موضوع المعتقل و آثاره المخيفة,فلوحة الفنان السوري علي السرميني وثائقية فوتوغرافية تسجيلية,الا أنها اختارت أن تضع المعتقل كله بفضائية في لوحة واحدة,مساحته,برج المراقبة,الركام,مبنى الحرس,الأرض الرمادية الملطخة بالأحمر..فلحظة السرميني و لقطته ذكية في بناءها من حيث أنها قائمة أصلا على فكرة الهدم,فهو يتنبأ باللوحة من الماضي الى الحاضر,حيث يتقصد أن يستدرك أن هذا المعتقل الى زوال و انسان المعتقل الى الحرية.
الزحام- الفنان المصري السيد عبلة,نزح باللوحة الى التكثيف الى الترميز الى الضغط…الى الناس الى التلوين,الى الضرب المختزل و السريع كأن كل ضربة من ضرباته اللونية على اللوحة توحي بحركة بشرية كبيرة مكتظة بالناس,فعبلة يضع سرا في لوحته أسس له بأبعاد تقنية عالية,فاللوحة موشحة بالناس بالنصر بالفرح,الى قوس قزح منتشر في حركة الأجساد و أبعاده الضوئية التي أشعت باللوحة فرحا ممزوجا بالدم.
رسالة الى فلسطين- الليبية الهام الفرجاني,أخرجت لوحتها الى الضوء,من وحي طبيعة الأرض الجنوبية في بلدة الخيام و قلق التراب و حركته الدفينة العصية على القلق و المنتجة للشجرة و الخضرة و الأزهار,لترفع على أطراف اللوحة خشبتين..صليب المعاناة على أسلاك فرضت واقعا مأزوما على حياة ناس كانوا ضحايا تعذيب لا مبرر له,و كانه شاهد انساني مستوحى من عذابات انسانية هائلة كعذاب المسيح و هو يواجه جلاده السافر المتقهقر,كرسالة واضحة الى فلسطين..أم الجهات. هذه نماذج من لوحات الملتقى التشكيلي عن معتقل الخيام,و هنالك لوحات لا تقل أهمية و قيمة فنية عن هذه التي تحدثنا عنها. لا نهاية مع الذاكرة فهي مثل السراج يتوشح ضوءه و يتوالد حنينا من الوعي الفضي و ان سحق العدو الاسرائيلي بمخاوفه معتقل الخيام,لأنه يخشى أن يبقى وصمة عار على جبينه و في ذاكرة الرأي العام العالمي,لكنه لن يستطيع محو ذاكرة الناس التي لاقت أشد صنوف العذابات,و تحولت حكايا للتاريخ…
ما بقي من “معتقل الخيام”,رمزيته الانسانية و الأعمال الفنية و الثقافية و الأدبية الخالدة التي تلاقت مع عذابات ناسه,و لوحات في متحف فرحات شاءت الصدف أن تبقى شاهدا مبدعا على تجربة أهانت العصر الحديث. لمى فواز
Leave a Reply