“إن فني هو اكتشاف مستمر للوسائط المختلفة وانعكاس للمكان في تداخلات المساحة والبيئة.”
باستخدام اللوحات المُحدبة المصنوعة يدويًا والتي تعبّر عن عمق الأمكنة وتأثيرها على الحواس الذهنية، يستكشف بفنه الجوانب المختلفة للاستقرار أو النقص في عوالم المستوى الجسدي والعقلي والروحي، فضلاً عن جميع التجارب التحويلية التي تأتي مع الحياة.
إذ تلعب اللوحة المحدبة وتشويهها فكرة تجربة متعددة الأبعاد على الأرض تدعو المُشاهد للاقتراب واستكشافها والتشكيك في معتقداته ومواقفه تجاه الحياة والفن، إنها الفلسفة البصرية التي يقدّمها التشكيلي الأمريكي “جون فوهر” في تجربته التي حملت نفسا ما بعد حداثي حمل تصورات ماورائية في صياغة الصورة وتفكيكها وتشريح معانيها البصرية حيث ارتكز على تطوير المفهوم الداخلي في التعامل مع الذاكرة والتذكّر بالاتكاء على الإحساس المعنوي القادر على تفكيك فكرة الانتماء لدى الانسان.
حتى يركّز فكرته التي تبدو غرائبية التصوير في تعامله مع الخامات استطاع “فوهر” أن يوظّف الآداء على الإنجاز في تكثيف الحركة وتجاوز البعد الزمني بتحديد تفاصيل قد تبدو هلامية ولكنها متفاعلة مع الانسياب اللوني في توظيفات الخامة أحيانا بين الورق والقماش والخشب وتركيبية الألوان التي ترتكز على مفاهيم الفراغ المكثّف على المسطحات العامة وهي تخلق مع الحركة ضجيجا داخليا قابلا للتأثير.
لقد تمكّن “جون فوهر” من ابتكار صور جديدة للمكان الذي أثّر فيه “منطقة خليج سان فرانسيسكو” تلك التفاعلات الإنسانية القابلة للتماهي مع الذاكرة مع الحضور وهي ترتسم في ذلك حضور بتوافق وتداخل حسّي وذهني مختلف بين المبالغة في التشويه والجماليات الخفية الطالعة من عمق التداخلات نفسها في تقاربها وابتعادها في النقاط والخطوط والانحناءات اللونية والمساحات الملونة باختلاف عن السائد، وهو ما يستفز المتلقي في خلق تساؤلات فكرية تحتل ذهنه وتنتقل إلى حواسه عند التلقي بحثا عن الأجوبة التي بدورها تطرح إشكاليات التعامل مع الذاكرة والفن والانتماء والإنسانية.
إن المتلقي العادي لأعمال “فوهر” يلحظ سطحية مختلفة تستفزه للتعمق وهو المنفذ الذي ساعده على خلق عمق داخلي من خلال تلك الأرضيات المحدّبة في تناقضات حسية استطاعت أن تثير فكرة التغيير والتشكيك في جدوى الفن والحياة وضروراتها الجمالية فهو لم يبالغ في تثبيت الرومنسيات الحالمة التي تميّز العمل الفني بانتماءاته الفنية والاسلوبية ولكنه استطاع ان يثير نوعا من الجمود ساعدته جرأته في تفكيك حركته من خلال اللون والغرابة وبالتالي تمكّن من التسرّب إلى النفسية الحسية للمتلقي باستثارة وجذب وبحث عن الجدوى الداخلية من العمل نفسه.
فهو لا يتفاعل مع الفكرة وموضوعها بقدر ما يستشرف التفاعل معها بخلق منافذ للتواصل مع المنجز الفني هذا المنجز الذي حمل التصورات المتناقضة في البقاء والفناء والحياة المتداخلة وهي ترتّب مجالاتها الواسعة المشحونة بالعادات والمعتقدات.
إن أعمال جون فوهر تطرح أسئلة متناقضة ولكن الجواب عنها عميق في تفرّعاته الحسية والذهنية التي تتعامل مع الفن كفضاء أوسع من كل الأمكنة قادر على استيعاب كل تصوّرات الابتكار الحسية والذهنية.
*الأعمال المرفقة:
متحف فرحات الفن من أجل الإنسانية
Farhat Art Museum Collections
Leave a Reply