يحاول الفنان التشكيلي على اختلاف أسلوبه أن يصنع لنفسه منهجا جماليا وتعبيريا مختلفا في مفاهيمه وعلاماته وحركته التصعيدية في تنسيق تأملاته البصرية وخاماته وأفكاره، ما يترك في أعماله بصمة التلاقي التي تنفعل في تحوّلاتها الحركية لتتوافق بين الداخل والخارج ولتخلق جدلية العبور إلى المتلقي أو العودة إلى تفعيل الاستفهامات بداخله عن مدى نجاح العمل في التوصل إلى خلق صلة بين الفكرة والخيال والماورائيات والواقع لتحفّزه حتى يقوم بإعادة توليد مفاهيم تلك الفكرة من جديد.
هذه التصورات هي التي تستدرج الفكرة الواقعية وتنمي من خلالها الصورة كما في الفن الفواقعي أو الهايبررياليزم هذا التيار الذي نجح في دمج الصورة كمفاهيم بصرية وتحويلها إلى منهج تصوري يتجاوز الرؤى المباشرة من خلال رمزياته القادرة على أن تكوّن النموذج التعديلي في التحول التأثيري للفكرة الواقعية البسيطة حتى تنتصر على حضورها الحاضر وتخلق لها منافذ جديدة في الماورائيات التصويرية فتحمل ذلك الواقع إلى خياله المتطرّف بصيغ جمالية وتكتلات فنية مبتكرة ويعدّ بيل برون من أبرز فناني الفواقعية المعاصرين الذين بالغوا في تجديد الفكرة والأسلوب حيث اتصل أسلوبه بالتفعيل البصري الذي بالغ في فرض الخيال على الواقع دون الحاجة إلى الفتوغرافيا لدمجها لأنه أتاح الفرصة لمواضيعه حتى تفرض نفسها على الأسلوب البسيط وتعبّر عن ذاتها.
وبيل برون فنان تشكيلي أمريكي يصنفه النقاد كأبرز فناني الواقعية المفرطة المعاصرين درس الفنون الجميلة وفنون التصميم في جامعة كاليفورنيا، قدّم عدّة معارض ومشاريع فنية في الولايات المتحدة الامريكية وفي أوروبا.
يحاول على امتداد تجربته أن يفرض فكرة العين والوهم من خلال ما يمرّ عبر تلك الفكرة من صور خادعة تترك بدورها أفكارها المسبقة التي تتناقض وتتجادل وتتصارع لتواجه واقعها حتى تجد لها منافذ في تثبيت الصورة النهائية للفكرة والحكم عليها ومن هنا يمهّد الطريق للبحث الفني الذي يختار أسلوبه في الواقعية المفرطة مدعّما هذا التواصل الأسلوبي بخامات مختلفة مثل الأشرطة اللاصقة وورق التغليف البني والدبابيس والأزرار والخيوط حيث يتحمّل توظيفها في المساحة لتبدو وكأنها طفولية في ظاهر إنجازها، ومن ثمة يقوم بتدعيم حضورها الفني بالألوان على القماش المسطّح وهو يستدرج المتلقي نحو الفخ البصري الخادع ليتحوّل به من تلك الصور الظاهرة إلى الواقعية المفرطة التي تبدو أبعد في إفراطها الحسيّ والذهني ولتتجانس مع مرحلتها في تصوّرات ما بعد الحداثة في حياكة حكاياته البصرية الوجودية ذات الفلسفة التكاملية بين الانسان والفضاء والأرض والطبيعة والفن والموقف.
يحمل برون في أسلوبه الواقعي المفرط اللحظة المكرّرة وكأنه يستند إلى الإقناع في التكرار حتى وكأنه يستنطق الرؤية الأولى فيما تلتقطه العين ليثبّت كثافاتها البصرية وبالتالي يقودها نحو الاعتقاد بأنها أمام منجز مألوف بلا تكليف وتغليف فني مبالغ أو أنه مجرد رؤية خادعة للصور ولكنها في مضمونها تحمل تصورات جامعة في عمق تجديدها وابتكارها تحاول طرح قضاياها بخصوصيات مرحة وغير مزعجة.
رغم أن الأسلوب الذي يقدّمه برون يبدو في ظاهره ساذجا من حيث تكويناته البسيطة واشتغاله الهادئ بما يخلق تفاعلية بصرية بينه وبين المتلقي لتبدو مألوفة وطفولية وصادقة ومبالغة في انسجامها البصري مع المكوّنات والخامات إلا أن الموقف الفني يتفوّق على الصورة الطاغية من حيث الطرح.
تبدو مواضيعه إنسانية ومختلفة حيث أنها تصبّ في مجملها في الأرض والبيئة والمحيط وما يدور حول كل تلك المفاهيم التي تعبّر عن الحياة ودرواتها ومواسم الطبيعة وعناصرها والإنسانية ونقصان التكامل في التعامل الوجودي للإنسان بين المحسوس والذهني والبصري.
*الأعمال المرفقة:
متحف فرحات الفن من أجل الإنسانية
Farhat Art Museum Collections
Leave a Reply