حين تتحوّل الفكرة إلى شغف والعمل الفني إلى بحث وتجميع والتزام له رؤاه ومواقفه، تصبح للفنون البصرية لغتها وحضورها الحي والحسي والفكري والذهني وهو ما حملته الفكرة الأولى لإنشاء متحف “الفن من أجل الإنسانية” التي تعود لمؤسسها اللبناني الأمريكي “نعيم فرحات”.
ومتحف فرحات الفن من أجل الإنسانية متحف مستقل مضمونه يرتكز على مقياس الإنسانية وفكرة الفن المعبر عن الذات والبشرية عن الكون والقضايا العادلة وروح الانتماء لهذه الأرض، بما يخدم الفن والانسان وحرية التعبير وضمان الجماليات الفنية في الرموز والمقاصد والتنوع والابتكار والاندماج والتجدد من خلال مجموعات هائلة تضم لوحات وتحف ومنحوتات ومقتنيات مادية تعود للمراحل الكلاسيكية والحديثة والمعاصرة، فالمتحف توثيق جمالي للحظة خالدة في الثقافة البصرية الشرقية والإنسانية في العموم.
مجموعات المتحف متنوعة من الفن الكلاسيكي الذي يضم فنانين غرب وفنانين مستشرقين إضافة إلى الفن الحديث التجريد والسريالية الانطباعية الحديثة المفاهيمية والواقعية والتشخيصية والخط العربي وكذلك الفن المعاصر من فيديو آرت ومفاهيمية مطلقة وسريالية معاصرة وفوتورياليزم لفنانين عرب من رواد المنطقة العربية والمهجر وفنانين غربيين من أوروبا والولايات المتحدة وأمريكا اللاتينية ومن آسيا ومن أبرز فناني هذه المجموعات العرب نذكر من مصر محمد عبله من فلسطين عدنان يحيى عبد الرحمان المزين مصطفى الحلاج عبد الحي مسلم بثينة ملحم، سليمان منصور، من لبنان عدنان المصري، بسام كيرللس، وجيه نحلة، رؤوف الرفاعي، أيمن بعلبكي، عزت مزهر، من العراق ليلى كبة، نديم كوفي، عبد القادري، من تونس يمينة المثلوثي، من ليبيا إلهام فرجاني، من سورية طلال معلا.
يتفرّد المتحف بمجموعة “سيمبوزيزم الخيام” 2002 التي أقيمت بمعتقل الخيام اللبناني، وهو مركز احتجاز سابق أثناء الاحتلال الإسرائيلي لجنوب لبنان، حيث احتفل قرابة 300 فنان من جميع أنحاء العالم بالذكرى السنوية لتحرير الأسرى من المعتقل وقد اقتنى المتحف مجموعة كبيرة من الاعمال لتكون الشاهد الوحيد على المكان لأن القصف الإسرائيلي في سنة 2006 أنهى ذاكرة المعتقل وقصف قرابة 200 عمل فني وظلت 100 لوحة كان قد اقتناها متحف فرحات هي الشاهد الوحيد على المعتقل.
وكذلك يتفرّد المتحف بمجموعات متنوعة منها مجموعة “صنع في فلسطين” وهي أعمال معرض المحطة التي أقيمت تضامنا مع فلسطين في الولايات المتحدة الأمريكية في سنة 2000 فيه أعمال مهمة لفنانين فلسطينيين أمثال راجي الكوك، ميرفت عيسى، بثينة ملحم، أشرف فواخري، مصطفى الحلاج.
ومجموعة “أبو غريب” التي تجمع أعمال فنية غربية وعربية تحاكي التجربة القاسية لمعتقلين عراقيين بسجن أبو غريب نذكر منها أعمال “لسوزان كلوتز” “جيراردو غوميز” و”فانيسا ستاوفورد”، و”عبد القادري”.
ومجموعة معتقل عسقلان المميّزة في حكايتها وحياكتها البصرية بامتلاك قرابة 38 عملا أصليا مهربا من معتقلي عسقلان، اشتغلت بمادة الشمع وأقلام الباستيل التي رسمت على وجوه المخدات وهربت من المعتقل وهي أعمال وصفية وتوثقية تنتمي لفنون السجون وللفن الساذج نفّذها فنانون ومعتقلون نذكر من بينهم زهدي الفنان محمد الركوعي وزهدي العدوي.
بالمتحف أرشيف مهم من الفتوغرافيا البصرية الإعلامية للصحف اللبنانية الأشهر مجموعة “بنك الصور اللبناني” وهي سرد لمراحل مهمة من تاريخ لبنان من سنة 1948إلى سنة 2008 وتصل إلى 165 ألف صورة ذاكرة لأشهر المصورين الصحفيين بلبنان أمثال جورج سامرجيان، بلال قبلان، محمود الزيات، أكثر من 65 مصور من أشهر المصورين الصحفيين في لبنان والعالم.
ومجموعة الملصقات السياسية الفلسطينية التي صممها فنانون من مختلف أنحاء العالم العربي يحتفظ المتحف بحوالي 200 نموذجا، بما في ذلك اللوحات والرسومات الأصلية التي تم استنساخها لاحقا كملصقات لدعم التحرير والمقاومة الفلسطينية.
وكذلك مجموعة المستشرقين وهي رؤية فنية ثقافية غربية- شرقية تسعى لتجميع اللوحات والصور وفق النظرية الأساسية التي وضعها المفكر إدوارد سعيد بالتركيز على ظاهرة التثاقف وما تثيره تأثيرا واندماجا، فهذه الأعمال تبرز كيف أن الصور التي حملت الشرق للغرب خلقت صداما فكريا بين الحضارات بقيت مخلفاته الأيديولوجية والنفسية والفكرية، وهو ما يثير في المجموعة دراسة الأبعاد الفنية للوحات المستشرقين القدامى والجدد والمجموعة بها أعمال مهمة من بينها لوحات لـ “دونالد تيج” و”دون فريدريك لويس” و”هنري أوساوا تانر” و’سارة فاندورين شاو” “فابيو فابي” أوجين ديلاكروا” سيمونيتي”.
المتحف له أيضا رؤى فنية معاصرة من خلال الاهتمام بالفن العالمي المعاصر وبرواده المفاهيمية المطلقة الكولاج، الفيديو الفوتورياليزم الخط العربي التشكيلي والتصميم الرقمي البوب آرت الفن الساذج.
كما يقدم المتحف رؤى نقدية بالتركيز على المتابعة والاطلاع من خلال الكتابات الفنية العربية والانجليزية والفرنسية تبرز بشكل خاص تاريخ الفن من خلال تسليط الضوء على الفنانين الذين ساهموا في التمرد على الكلاسيكي والتدرج نحو النهضة الفنية.
ويسلط المتحف الضوء على الرسامين الأمريكيين بكل أطيافهم التي ينحدرون منها نذكر “جون اكستون” “فريد مارتن” ساشيو ياماشيتا” “جون كويك” “إيدي كولا” “باسكيات” وهي شخصيات أثرت على مسار الفن التشكيلي في أمريكا وكذلك تجربة السكان الأصليين للولايات المتحدة الأمريكية.
للمتحف مخزون هائل من الصور الفتوغرافية ضمن مجموعة أجداد العرب وهي صور شخصية لسكان الشرق من استوديوهات تصوير عربية وفرنسية كانت ارتكزت بالشرق العربي نذكر منها ستوديو شهرزاد لبنان وصور خاصة لعائلات عربية مختلفة.
إن أعمال متحف فرحات الفن من أجل الانسانية تتوزع بين الولايات المتحدة الأمريكية ولبنان وهو يسعى لتقديم مشاريع سنوية وسيمبوزيومات تجمع الفنان على القيمة الإنسانية والتعبير الحر عن الجماليات التي ترتقي بالحواس والأفكار.
Leave a Reply