تجربته البصرية ليست بالتجربة التي يمكن أن نعبر من خلالها دون تساؤلات نطرحها بين لون ولون، ونجيب عنها بين حركة وصورة أو إحساس وانفعال، إنها تجربة كثيرا ما عكست عمقا حسيا وذهنيا مكثّفا بالغ في أحزانه التي لوّنت الحزن وأعطته دوره في البحث عن جدوى الوجود وضرورة الحياة وانفعالا كثيرا ما توارى خلف جدران الصمت بصخب راوغ فكرة الموت المؤجل الذي لحقه منذ تشرد عائلته في نكبة 48، هي الحياة تنتصر له ولتجربته الفنية العميقة التي قادته لحفر اسم فلسطين على تفاصيل كل عمل وتحويلها إلى منفذ من منافذ الحقيقية الإنسانية الخالدة.
هو الفنان التشكيلي والنحات عدنان يحيى الحاضر في كل الإرث الفني الذي صاغه، الغائب جسدا والباقي أثرا حقيقيا لإنسان فنّان علّمته الأرض أن يبقى في كل فكرة وابتكار ومنجز فني عبّر من خلاله بالتجريد والسريالية بالحرف العربي بالخزفيات والنحت بالحفر بالألوان الزيتية والأكريليك، بكل ما استطاع من خامات احتواها ليعبّر دون أن يخرسه إحساس أو خذلان توارى خلفه لينطلق بعنف جمالي، استطاع أن يقتنصه من عتمة التناقضات.
رحل عدنان يحيى تاركا منجزا فنيا حمّل الفن تجليات الإنسانية في سريالية العبث وفوضى الحق الباحث عن الانتماء.
قدّم يحي الفن بأسلوب تجدّد واختلف بعناده الذي تمادى معه أبعد في التجريب فقد حمل تصورات التفكيك والبناء والهدم من جديد فقد حمل نظرة أقرب على الشكل الإنساني في عملية التفتّت والمعتمدة على الأشكال والشخوص سواء في النحت أو التشكيل، فالمتأمل لتجربته يرى قتامة الفكرة بصريا وكأنه يعتمدها كأساس قابل للهدم قبل مروره لترتيبها بنضج مبني على الواقع بأحداثه فتحوّل الواقع من مجرّد نقل سردي إلى تفكيك بصري ناضج ومتفوق على الواقع ظهرت من خلاله تجليات السريالية التي أجادها وهو يعيد بناء الواقع في خياله بأكثر استشرافا واستقراء تماثل مع طبيعة الأحداث في منطقته ليضيف على المنجز حسيات ومواقف كوّنت كيانه الناضج.
ولد عدنان يحي بالأردن سنة 1960 لعائلة فلسطينية هجّرت عقب نكبة 1948 ليعيش وهو يعايش واقع التهجير من مسمى اللجوء والأصول وفكرة الانتماء والعودة هذان التفصيلان اللذان لم يغادراه ليخلّداه فنيا من خلال رمزية الأرض والوطن والإنسان.
أظهرت تجربة عدنان يحيى أعمالا سردت أحداث معاناة إنسانية بأوجاع المشهد ووثقت المأساة ملحميا.
فسّر أحاسيسه معتمدا على جانب القتامة والنور الأبيض والأسود وفق نظرته لذلك الواقع الذي عايشه بأحداث تلقاها بانفعالاته وعبّر عنها بفنه اللغة التي عكست الفكرة المعتمة لتمكن المتلقي من إدراك ما عبر عنه وما طمح لإبرازه من حجم ألم ممزوج بأمل عميق.
طغت السريالية والرمزية على أعماله فقد اعتمد في لوحاته على رموز معنوية مثل الترقب والانتظار التي انعكست في الخطوط واللون المتسع فوق السطوح وفي الشخوص الممتلئة بحزن يفيض حكايات موجعة، لكنه كان يتدخل فيها بحرفية تخدم السياق الدرامي المتصاعد الذي حاول من خلاله أن ينفذ نحو النور ليساعدها على أن تستقوي بالأمل الساكن خلف الوجوه الباكية لتسترد الذاكرة وتقاوم.
جسد الحرية في اتجاهات واقعية تعبيرية رافضة لجميع أشكال الظلم والطغيان بتنويع الخطوط والظلال والأضواء المتداخلة في مدارات الألوان الداكنة بين الأزرق والأخضر والرمادي على مساحة واسعة بحجم المجازر موزعة بتداخل لوني بارد قائم على أسلوب سريالي منافذه مفتوحة على المأساة على الإنسانية الباحثة عن العدالة والسلام.
*الأعمال المرفقة:
متحف فرحات الفن من أجل الإنسانية
Farhat Art Museum Collections
Leave a Reply