الواقع الإنساني والرموز الكرتونية دلالاتها الفنية
في التجربة التشكيلية المعاصرة لـ KAWS و Gerardo Gomez
تعدّ فنون ما بعد الحداثة وتصورات المعاصرة في الفن التشكيلي منافذ تمرّدت برؤاها وفلسفتها البصرية وفوضاها التي تمكّنت من إحداث ضجيج وجدل مكّنها من اختراق الماورائيات الجمالية لتكوّن لها مسارات أكثر نضجا وطموحا وخلقا واستفزازا مسّ العديد من الفئات الاجتماعية وعبّر عنها بواقعية ما تعايشه وتشعره وتعبّر عنها في خللها وانتظامها في استقرارها وتمرّدها.
*جيراردو غوميز
*براين دونللي –كاوس-
ومن هذه النماذج نذكر الفنون الشارعية Street Art التي تعتمد أساليب البوب آرت- Pop Art وفن الخارجيين Out-Sider Art ليساير طبيعة المجتمع ويتوافق مع تطوراته الاستهلاكية وتقنياته الاجتماعية ومبالغته في تعميق الأثر الخاص بالصورة عن الألوان والأداء والجرافيتي والفوتوغرافيا بتضمين علامات واقعية وتجارية ولعل أبرز هذه العلامات والملامح الرموز الكارتونية التي أثّرت على الشخصية والحضور الناضج للفكر بكل مراحل التكوين من جيل إلى جيل والتجارب المتنوعة التي ارتكزت على هذه الشخصيات كعلامات تعبيرية تفرض البحث البصري والنقدي مع ضرورة القرب للفهم والتصور للإدراك والإحساس للتعمق في الجماليات الجديدة التي يخوضها جيل كامل بأفكاره ومفاهيمه ومن ذلك تجربة الأمريكي كاوس الذي يعتبره نقاد فنون ما بعد الحداثة وجه الفن المعاصر الأشهر والسلفادوري جيراردو غوميز الذي تمكّن من حفر اسمه في الولايات المتحدة الامريكية وإثبات جدارته في منافسة كبار فناني الشارع، كما أنه يشترك مع كاوس في اعتماد الشخصيات الكارتونية للتعبير عن مواقفه من الفن والواقع من السياسة والمجتمع وكلاهما اعتمدا البوب آرت والفانك والألوان في الجرافيتي التعبيري حيث بدآ من الشارع وانتهيا إلى صالونات العرض التي احتوت الفكرة الجمالية في الفن المؤثر في تجربتيهما.
*كاوس
كاوس هو الاسم الفني الذي اعتمد عليه الفنان الأمريكي “براين دونللي” بعد أن اشتهرت أعماله في الشارع واستطاع أن يعرض في اليابان حيث تأثر بالشخصيات الكرتونية التي استجمع منها حروفها الأولى ليكون اسما مستوحى من شخصياته وألعابه، درس براين الفنون وتخرج من كلية الفنون الجميلة بنيويورك عمل بعدها مختصا في الرسوم الكارتونية بديزني كما قدّم عدّة معارض فن جرافيتي الجدران منذ التسعينات حيث كان هوسه الفني الشارعي مؤثرا على مواقفه البصرية الجمالية ومن هذه الفضاءات الأليفة استجمع كاوس أفكاره ليكوّن مساره المعاصر ويبتكر طرق التعبير الخاصة به من فنون شارع الموسيقى النحت الأداء والجرافيتي بتوظيف الألوان والرموز التي عمّمها على شخصياته الغريبة والمستفزّة والتي تميّزت بعيونها مقفولة أشارها بعلامة X وأيديها التي تغطي وجوهها خجلا كما في شخصيات ميكي ماوس وسمبسون السنافر وسبونج بوب التي بالإضافة إلى أنه طوّرها استخرجها من سياقها الدعائي والكارتوني وتملّكها بدمجها في عالم الفنون الجميلة وكأنها تحاول استنطاق جماليات مختلفة بمفاهيمية تبحث عن ذاتها بين السذاجة والتأثير بين سطحية المجتمع وتأثيرها في الذاكرة والطفولة والحنين.
*غوميز
منذ البداية أدرك كاوس أهمية فنون الشارع في التأثير على المتلقي وهو ما مكّنه من خوض عالم الفنون عن طريق التصميم والدعاية ودمج المجالين واستعمال الواقع التجاري التأثيري لتسريب أفكاره واقحام شخصياته التي أصبحت علامة تعبّر عنه كما أن براءتها وصياغتها المفاهيمية الساذجة والطفولية أكسبت المتلقي ثقة في التعامل مع المنتوج أو مع الفكرة الفنية والمفهوم وهو ما روّج تأثيريا لفنون الشارع والبوب آرت وطوّره جماليا.
*كاوس
وبالحديث المقارن بين تجربة كاوس وتجربة جيراردو جوميز نتلخّص إلى التشابه المتناقض في الحالة التجريبية، من خلال مساراتها الأسلوبية التي تتوافق شكليا وتوظيفيا تختلف تعبيراتها الإنسانية كل حسب الحالة التي عايشها والدور الذي يراه في ذاته الفنية بين فكرة الفن للفن والفن الإنساني، فغوميز وظّف ألعابه وشخصياته الكارتونية لنقد المجتمع الأمريكي الاستهلاكي والسياسة العالمية فكانت رسوماته الجدارية عبارة على مواقف رافضة للحرب والعنف للخلل الاقتصادي والتهوّر العسكري من خلال الأسلوب الساخر والألوان المنتقاة بفوضى، فبالتأمل في مساره التشكيلي نلاحظ صبيانية وطفولة تعكس رؤيته للفن التي يقول عنها “إنها تعبيره الطفولي ولعبته المفضلة التي تجعله ينضج وهو يداعب الألوان مع الكارتون وأبطاله التي لم تكبر إلا في نضج تعبيره ومواقفه في فوضى يرتبها بجماليات يصنع لها منافذ الفهم بسذاجة تقتحم فكرة الواقع المعقدة وتحولات الأحداث الصاخبة”، يرى أن الفن قد حرره من قيود المكان والزمان من جمود فكرة الانتماء ومن التمييز الديني والعرقي وعنصرية التواصل، ليعزف الواقع بألوانه ويرسم موسيقاه بأشكاله وتلك الطاقة التي تروض الفوضى المكتومة في وعيه الذي يتململ من حياة الاستهلاك وابتذال الانسان وتقييده.
*غوميز
يتمازج التجريب الفني في أعمال كاوس وغوميز في الشخصيات الكرتونية والتعلق بها للتعبير فكأنها تخرج من دورها الطفولي لتكون شاهدا على الواقع فبخيالها تتحرّك وبألوانها تندفع وتتحوّل شاهدا على الأجيال، ورغم أن كاوس يغلّف أعماله بالدعاية والتجارة وإشهار القطع إلا أنه لا يخفي موقفه الفني المتمرّد وهو يقارن التعبير الكلاسيكي أو الحداثي ويوظّف الأداء المباشر بألعابه التي تحاول المشاركة في العمل الفني والتعبير عن مللها أو تمرّدها وكأنه يختفي وراء تمرّدها المقبول الذي لا يثير التذمّر ويستلطف لأنه صبياني وهي الطريقة التي اعتمدها أيضا غوميز فكأنه يقول إن تلك الكائنات الكرتونية ليست جامدة بل فاعلة ومتحرّكة وجريئة وعميقة في سخرياتها ومتابعاتها ودهشتها من الواقع فكانها تنتفض من الخيال ليصدمها الواقع الذي لا تهرب منه بل تمارس شغبها بمرح في فضاءاته فكأن المتلقي يستوعب تلك الحالات بذاكرته التي كثيرا ما تخزّن مشاحنات توم وجيري وسذاجة ميكي ماوس لذلك تقابل الأعمال الفنية باستيعاب ذاتي وراحة داخلية مرحة.
الاعمال المرفقة:
أعمال جيراريدو غوميز متحف فرحات الفن من أجل الإنسانية
Farhat Art Museum Collections
Leave a Reply