تحمل تساؤلات اللون والأسلوب على إيقاع البناء الوجودي للمكان تصوراتها الفلسفية في المغامرة التشكيلية التي يخوضها الفنان التشكيلي السوري إبراهيم الحميد وهو يوقّع الحنين والمشاعر في انحسارات الذاكرة التي ترشح بها الشخوص وتتداعى من خلالها المفاهيم، فهو يتجاوز المرايا الواقعة على تماس التذكّر ويصنع له ألحانا شجية التشظي الضوئي في عمق الوحدة المركّبة على حكاياها.
*عمل مقتنيات متحف فرحات الفن من أجل الإنسانية
تلك الحكايات الغارقة في تاريخها وملاحمها وتماسها الواقع مع التراب والطين الذي يخاطب توهجه في الطبيعة وينفلت من السرد البصري ليتماسك مع الأصل في الحياة، هي تجربة موحّدة ومتحّدة في انكسارات لونية وتعاصف يخاطب الرموز بوداعة تستحضر الماضي في المكان وتنتظر المستقبل في التوافق المشخص مع تفاصيله على وقع الحاضر وفي تناقضات الحواس.
تبدو اللوحة في تجربة الحميد هادئة التمثلات والموازين في ثقلها وخفّتها المريحة منهمكة على تفاصيلها المنهكة، تحاول ملامسة الضوء والنور الباقي من ذاكرة ترشح بألوان صاخبة على وقع الأرض المختلجة في وجدانه وألوانه المشتقة من البني والأصفر وامتزاجهما كمحاولة تشد البصر والبصيرة في تدرج يداعب الانتظار بين الحدّة الداكنة والتمازجات الضوئية في توافق الخطوط الصاعدة والمحتوية للمكان والذاكرة والشخوص.
يخلق إبراهيم الحميد مع المنجز الفني تواصلا بصريا يقدمه ليخترق به الحواس الساذجة ويتداخل معها بكثافة تثيرها لتفسّرها الألوان والخطوط التي تسحب الفراغات نحو الامتلاء لتكون واقعا ناضجا على رؤاه.
فالطبيعة كما يراها أفقها عميق التصور الإنساني البدائي في تكوينه الأول حيث يوقظ بعلاماتها ذاكرتنا البكر على التعلم والادراك والتكامل الأول معها من خلال التدرج من الحرف واللغة إلى المعنى والمفهوم بانسانية التفاعل للتعبير والاندماج للانفلات والكبت للغواية والغاية للتدرج في الاستمرار وللتردد في المتابعة، كلها تتشكل في صمت صاخب من بين ثنايا كل شخصية في لوحاته ورموزها المفعمة بالفعل والفاعلية التي تشير للطبيعة وتحتل بمشاعرها المكان في هدوئه وحركته في قصصه التي يسردها البحر والنهر والريح والمطر بالخوف والفرح بالضياء والطفولة بالطقوس التي تواجه عتمة الرهبة في عيني امرأة تجيد ترتيب قصصها وخرافتها لتروّض صداع المعنى ومجاز اليقين بين خطوط الزمن الأليف والواقع المترقب لصدى الانتظار وتجليات العاطفة العاصفة في تجاعيد التراب والأرض وعتاقة ترنو نحو الانعتاق الحالم.
ترتكز الحواس والمدركات وفكرة الاندماج مع الطبيعة والخرافة والأسطورة في أعمال إبراهيم الحميد على المرأة الرمز والعلامة المثل والمثال المكتمل في الصورة والفكرة في المشهد في الحياة بتناقضاتها الحسية والذهنية والطبيعة بمواسمها الخصبة والقاحلة والأسطورة بملاحمها ومعاناتها في العطاء والسلب وفي البعث والاندماج فهي التراب الذي ينعكس في الطين تشكلا وفي الريح غبارا بين التطويع والتناثر يشكلها بمفاهيمها وغموضها يتجسد في اللون والشكل والشخصية والحضور والخط والصور والضوء.
تبدو صورة المرأة في تحولات الفكرة والتشكيل بيئة وطبيعة وعالما من التصورات التي تعني ذاكرة حالمة وإضافة منعشة التكوين الإنساني في منطلقاته الحرة وتعابيره التي تستنطق صمت الأصداء العابرة في التاريخ والجغرافيا فهي الدهشة في تصنيفاتها السريالية وهي الغموض في انتصاراته التجريدية وهي الفكرة التعبيرية الخارقة لتلازمات الوحدة والتصنيف وتراث الواقع وهوية الحلم ومجازات اللون وهو يعبُر في التشكيل الطبيعي من الأزرق أفقا شاسعا إلى الترابي الغارق في الأرض والثبات في عمق الصحراء وانعكاس الحنين.
إن المتأمل في أعمال الحميد يستوقفه الغموض فيغرق به فضوله في البحث ويتمادى في التلقي والاستمرار في خوض تجربة التوغل في اللون والخط وفهم الأسباب والتمعن في تفسيرها الرمزي إذ يحوّل سذاجة الفكرة إلى عمق الوجود لذلك يطمئن وهو يمارس تلاوينه وتوليفاته ليشكّلها كل مرة مع رموزه وعلاماته وبصرياته التي تأخذ متلقيه أبعد في اللون والمفهوم، فهو يطوّع خبرته ويثيرها مع سذاجة المتلقي ليخلق تماسا لونيا وذاكرة حيّة الترقب والاحتمالات المرصودة في طفولة شجيّة الشجن بجمالياتها.
*الأعمال المرفقة:
-لوحة من مقتنيات متحف فرحات
Farhat Art Museum Collections
-أعمال خاصة للفنان إبراهيم الحميد
Leave a Reply