التشخيص والانطباعية تجربة التشكيلي الألماني Jean Mannheim
تأويل الملامح في اندماج اللون وانعكاس الضوء في المعنى
لا يمكن للفن التشخيصي أن يعبُر اللحظة التي سطع منها دون أن يخلّد الأثر الإنساني عبر كل تلك الفترة التي تجاوزت الماضي لتصمد أمام التحوّلات الحسية وتتطوّر من خلال عدّة عناصر جماليا حيث ساهمت في خلق ذلك السطوع الحرفية والأسلوب والاندماج وتقمّص الحالة في ملامح الشخوص باعتماد التقنية التي نجح في توظيفها الفنان التشكيلي الألماني جان مانهايم 1861-1945 طيلة ستين عاما من الفن والتطوير والعمل والبحث في الملامح والأثر والحالات الحسية والذهنية.
“فرشاته متعدّدة الاستخدامات حوّلت الواقع إلى حلم جميل وخيال مُتصوّر مزج الألوان وتحوّل بها نحو عوالمه ليثير بواقعيته التعبيرية اندماج الفن في تفاصيل الحياة لخلق جماليات تواصلت مع الواقع وحملت منه حواسّه وتفاعلت مع أفكاره في مدى ما انطبع معه من التصوّرات التعبيرية من خلال امتزاج ذلك الخيال مع البصريات والألوان وأساسيات العناصر التشكيلية التي عملت على توحيد اللوحة وفق أبعاد إنسانية انتصرت لذاتها وللجمالية”.
هي كلمات حاول من خلالها الباحث الفني الأمريكي ريتشارد ريتزيل Richard W. Reitzell أن يقدّم لكتابه عن فن مانهايم الذي يعدّ من روّاد الانطباعية في الولايات المتحدة الامريكية بعنوان “من فرشاة متعدّدة الاستخدامات: حياة وفن جان مانهايم”.
ولد مانهايم في باد كروزناخ في ناهي تم تجنيده في الجيش الألماني الذي هرب منه متجّها نحو فرنسا لدراسة الفن في أكاديمية ديلانسي وبالتوازي مع ذلك عمل في تجليد الكتب حتى يتمكّن من متابعة دراسته الأكاديمية في باريس، ومن فرنسا توجه نحو الولايات المتحدة الأمريكية حيث توّج فيها مرحلته الانطباعية وحقّق ريادة فنية جمالية حيث أسّس مدرسة ستيكني ميموريال للفنون في باسادينا.
ساهمت المشاهد الطبيعية التي عبّر عنها مانهايم في خلق توليفات لونية متنوعة وتفاعلات انتصرت لمفاهيم الفراغ وتحوّلات الحالات وفق الأزمنة والأمكنة وما وصل من انطباع فيها فبفرشاته الصغيرة والدقيقة استطاع أن يؤسّس لمشاهده ويروّض الضوء ويدرك التفاعل الحسي البشري من خلالها بتضمين حركي تأثر بالزمن فقد حمل مسطحاته وألوانه وفرشاته ومكث في الطبيعة وأدمج خياله مع واقعه وبالتالي فعّل تلك التصوّرات المخزّنة في ذاكرته البصرية وهو يتنقّل عبر الأمكنة والملامح من ألمانيا إلى فرنسا ومنها إلى الولايات المتحدة.
إن ما نجح في توظيفه مانهايم هو تطوير قواعد الرسم الأكاديمي والخروج من الأطر الضيقة نحو الفضاءات الحقيقية والشاسعة وهو ما نجح فيه اللون الموظّف في أعماله حيث تمّ الاعتماد على الكثافة والتكثيف بتقنية رتّبت عشوائية الزخم المتراكم في الحسيّات وتحويله إلى رؤى بصرية، بوصف أسلوبه مؤثّر في التقاط التأثيرات المؤقّتة للضوء حسب التحولات اليومية وهو ما فتح المجال لاعتماد تلك المؤثرات البصرية بدل من التفاصيل حيث حقّق ذلك من خلال حركة الفرشاة بتوظيف الحجم حسب الامتداد فبين التسطيح والانكسار والضربات القصيرة اختلفت أعماله في تفاعلها مع الضوء في المشهد وبالتالي تبدو مختلطة معا أو سلسة وغير مظلّلة، وهو ما يثير الاهتزاز والحركة حسب الطبيعة والأمكنة وحسب الحضور التشخيصي، وهنا حمل مانهايم الإحساس إلى المتلقي كمفهوم أُعيد تشكيله بصريا ليرسّخ الانطباع.
يعتبر مانهايم مغامرا في تصوراته الانطباعية التي قادته إلى مراحل عميقة أجاد من خلالها تشخيص الملامح وتطوير التجاوب بين الشخوص والأمكنة بما يعطي لذلك الانطباع تحولات سردية بصرية ارتقت إلى المستوى الذهني بصريا من خلال ما يحدث للفنان آنيا حسب المشاعر التي تتخلّله انطباعه وهو يتفاعل مع مؤثّرات الطبيعة والمشاهد والملامح.
إن التصور الانطباعي الذي نجح في تطويعه جماليا مانهايم هو التحوّل والمواكبة حسب ما عايشه وأثر فيه من خلال تنقّله وترحاله ما منحه فرصة الاندماج والتطوير والموازنة بين المادي والمعنوي وبين السطح الحسي والفكرة الذهنية وهو ما ساعده على ابتكار مسارات متجدّدة ساعدت تجربته على الاندماج والتأثير بما خلق لديه أفكارا جديدة وتقنية مختلفة بثّها في خاماته سواء في الفرشاة أو تطويعها تنسيق الألوان وتكثيفها.
*الأعمال المرفقة:
متحف فرحات الفن من أجل الإنسانية
Farhat Art Museum Collections
Leave a Reply