تغيّرت قواعد الجمال والفن في العالم الغربي منذ صداماته الفكرية وتفككه الجغرافي وتقسيمه ثنائي القطب في فترة الحرب العالمية الثانية وما بعدها وهو ما أفرز فلسفات وأفكار وتصورات اختلفت في حدّتها ومرونتها التعبيرية حيث حاولت البحث في خصوصيات الانسان وكيانه وجوده وحضوره وسلوكه ونفسيات تعايشه مع المحيط والآخر والواقع باختلافاته، وهي تيارت وحركات أثرت على الآداب والفنون وأفرزت المدارس الفنية التي تحوّلت تأثيراتها على كل العالم حيث تلقاها على قياس طبيعته وانتمائه وهويته وحضوره، وقد كان تسرب هذه الفلسفات في العالم العربي نتاج واقع فرضه المجتمع والسياسة والبناء الحديث للدول وتكوينها وتغير ملامحها واقتصادها.
*عدنان يحيى
وللفلسفة الوجودية في التعبير البصري والتشكيلي العربي حضور مفاهيمي وأسلوب اختلف في توجهاته الفكرية والبصرية حيث قُدّمت في المنجز الفني بأساليب مختلفة تغيرت مع مدى تلقي الواقع الفردي والجماعي من التعبيرية التجريدية السريالية والواقعية المفرطة وهو ما وضع مضامين ذلك الواقع أمام قراءة اختلفت في مداها التصويري.
*رؤوف رفاعي
إن الوجودية الفنية التي عبّرت برؤاها في التجربة العربية لم تنطلق بشكلها الطاغي كحالة فلسفية جدلية مكبّلة بكل مقاييس التفكير الوجودي المطلق وجدلياته وما أثير من خلاله من رفض وتناقض سواء في القيم العامة أو التلقي الثقافي ولكنها في الفنون الجميلة حاولت استدراج ذات الفنان ونفسياته وحالاته إلى الواقع المعاش وفوضاه وقلقه وهو ما استثار الأفكار وفتّت الاحاسيس بإفراط ومبالغة وتحوّل مفكّك ساعده تمرده على البحث عن الترتيب الخاص لفكرة الجمال الذاتي وهو ما أفرز تلك السمات التي انتشلته من الفكرة الى التجربة ومن عموم الفلسفة الى تجريب تلك البصمات واللمسات الجمالية الموظفة على قياسات الألوان والخامات والأشكال بتجليات الفوضى وانعكاس القلق عليها، وبالتالي الصياغة الممكنة التي تتفرّد بالأسس الفنية وقواعدها التي لم تهدم الجماليات المكثفة المألوفة حيث صيغت منها دلالات وسيمياء ومفاهيم.
*طه الصبان
وهنا نرصد تجارب تنوعت حسب تنوع التلقي العام للفكر والواقع والوجود وسلوكياته ومزاج الابتكار ورغبة تجربة الفكرة وجرأة الاختيار بما يتناسب مع مقاس الوعي في الإنجاز والتلقي خصوصا بين صياغة الذات والكينونة وبين الإحباط والحضور والصراع ومواجهة القوالب الجامدة واستدراج ذلك الوعي نحو استيعاب الرؤية وما يثير في مضمونها ابتكار الجماليات من عمق الواقع والقبح والتحولات الفردية والتقنية والحسية ودرجات استيعابها.
*إبراهيم أبو الرب
إن الفنون والثقافة تعدّ المجال الأول والأساسي في البحث عن هوية المجتمعات العربية واستمرارها في صناعة تاريخها الفني وانتقاء المواقف والخوض في الصراعات الثقافية السياسية الاجتماعية وتكوين الذات الحرة والمنطلقة من حدودها الضيقة وحيرتها القلقة في حقيقة تختلف معها أساليب الرسم والنحت التي تفرّدت بواقعها فرغم اتباعها المدرسة الغربية استطاعت أن تحافظ على قيمها الأولى التي فرضت الانتماء الجمالي المألوف من خلال المقصد والمحتوى الخامة والرمز الأسلوب والصياغة والتحديث والارث الثقافي سواء الإسلامي أو الحضاري من خلال الزخارف والألوان والمساحة وهندسة الأشكال وكذلك الصياغات التي لم تنفصل عن ما فرضه الوجود العربي على التجربة التي خاضت في خصوصياتها انطلاقا من الموجود الاولي للبيئة والانتماء والارث والهوية إلى الواقع العام سواء البناء السياسي والاحتلال العسكري والرغبة في التعبير الحر عن الذات عن الحقوق والالتزام بالإنسانية في الذات وفي المجتمع والوطن.
*أيمن بعلبكي
فالخطوط والرموز والزخارف والأسلوب والتعاطي مع الأبعاد في اللون والمحتوى والقضية الأساسية في المبحث الفني والأساس الإنساني الذي سعى لبناء الوعي العام الأولي للمتلقي العربي رغم الغموض والعزلة للفنان في فترة ما ولكن بإصرار على الخوض والاندماج والقرب وهو ما تماهى في التعبير حيث اعتمد الواقعية والانطباعية الحديثة والتجريد والسريالية والواقعية المفرطة والمفاهيمية والبوب آرت.
*سمر غطاس
إن التعامل مع الوجودية في التعبير الفني التشكيلي العربي لامس إشكاليات الواقع والوجود سواء في طرح الشك والتساؤلات الغيبية أو في النبش في التابوهات المقدسة العقائدية والايروتيكية الجسدية ومحاولة التجلي الإنساني في المبحث الخاص بالعاطفة والذهن في تشكلات غامضة ومبعثرة كما في التجربة التجريدية والسريالية التي تجاوزت بالسرد البصري المباشرة في الطرح نحو الغموض الرمزي الفني الجمالي بدلالته المستفزة للقراءة وللماورائي الذي وُضع في صيغة المرئي وبالتالي التوافق بين الإحساس والمعنى والفهم والتساؤل والتجاوب مع العمل الذي طالما كان مطمح الفنان التشكيلي العربي، إذ كانت نتائجه نسبية التحقق خاصة وأن المتلقي العربي لا يشبه المتلقي الغربي في التعامل الندي والاحترافي مع العمل الفني.
*رولا حلواني
إن الترتيب اللوني والخطي والضمني الذي قد تنتابه فوضى الانجاز المقصودة في الحركة والخطوط والتجلي العام للفكرة بتمرد على المألوف الفني والذوقي يتجاوز السطح ليغوص في اللامقروء بحثا عن القراءة ليستدرج الأساليب باستنطاق الواقع وهنا تكون العلامة قريبة من المتلقي ومن الفنان نفسه فهو الذي يصوغ بها كيانه ليعبر عن وجودية الفكرة المنجزة أولا ووجوده في واقعه تعبيرا وابتكارا حتى لو لم يحقق الفهم والتلقي المرجو ولعل التجربة العربية في بداياتها الأولى التي حاولت تحديث الحداثة المتلقاة من الغرب استطاعت أن تخرج الفكرة البصرية والموقف الفني من النخبوية إلى المتلقي بكل مستوياته لتعبّر عنه هو وعن مواقفه وحتى فوضاه خاصة في فترة الثمانينات والتسعينات وفي المرحلة المعاصرة بكل اختلافاتها التقنية والاسلوبية.
*عبد الرؤوف شمعون
*الاعمال المرفقة:
متحف فرحات الفن من أجل الإنسانية
Farhat Art Museum Collections
Leave a Reply