ليست كل الفنون المعاصرة هي فنون لما بعد الحداثة، وليست كل فنون ما بعد الحداثة تتحمّل التجريب السطحي والتفاعل الانفعالي لأنها مرحلة مكمّلة لمسار متجدّد بالفنون، تعبّر عن اجتماع متداخل لكل مراحل الفن وفلسفاته البصرية هي ليست تمرّدا كثيف التوجهات على تلك المراحل ولكنها انعكاس داخلي على مرحلة العودة للذات والأرض للإنسان والانتماء للداخل للذاكرة للذات للمشاعر للمواقف التي جسّدتها خامات واختزلتها توليفات.
*Tim Nordin
غير أن التعامل البحثي والنقدي مع مثل هذا الفن والتجريب والتداخل فيه كثيرا ما يضع الباحث والناقد والمهتم والمطّلع أمام حواجز المصطلحات وجمود التعبير عنها.
هذه المصطلحات التي كثيرا ما تكون مكرّرة ومستهلكة ولا تتميّز بالعمق، وتضع الكاتب عند كل تجربة إما مكرّرا أو نمطيا أو غير قادر على التوسّع التعبيري في مسارات رحبة من المعاني والتفسير والتماهي. وهو ما يضع الكاتب أحيانا في جدل مختلف عن كيفية التعبير عن المنجز الفني سواء المعاصر أو ما بعد الحداثي وجدل تصنيفه والتداخل معه حسيا ونفسيا وانفعاليا وهي الإشكالية التي تحتاج تسليط الضوء على الكثير من النقاط سواء المرحلية أو التعبيرية التي يمكن أن تحطّ على العقبات والتبعات وتكسر الهوّة بين الباحث والناقد والفنان والمتلقي.
*أيمن بعلبكي
الفنون المعاصرة: فن ما بعد الحداثة
إن فن ما بعد الحداثة Postmodern art هو حركات متعدّدة فنيا وثقافيا الانتماء لها هو موقف لنقد جوانب متعدّدة من الحداثة أو الظواهر التي انتشرت في علاقة بها، فقد فتحت المجال للتعبير بكل الوسائط وبمختلف التقنيات والخامات مثل استخدام الكلمة واللغة المؤثرات والأداء التدوير والتحرير الذهني من خلال الصورة والفيديو والجمع بين التراث والموروث والثقافة الشعبية، من أجل تثبيت الفعل البصري والفكري والحسي وتوسيع درجات التعبير وتشكيل المفاهيم من خلال فن الأداء والمفاهيمية والوسائط المتعدّدة والفيديو آرت.
*بثينة ملحم
الفنون الجديدة: الفن المعاصر
أما “الفن المعاصر” Contemporary art فهو المصطلح الذي رافق النقاد منذ الخمسينات حيث تمّ تصنيف الفنون الجديدة وقتها بأنها فنون معاصرة، ورغم أن المصطلح وقع تحت المسمى الأساسي للمرحلة وهي مرحلة ما بعد الحداثة في الفنون إلا أن المعاصرة في الفن بقيت تخصّصا وامتيازا حسيّا يشبه وقته ويستمر مع أزمنته، وبالتالي تفرّع في خلق مدركاته التي كانت تقع في تماس تعبيري بين الفنون الحديثة والفنون التي تصنف بما بعدها، وهنا نرى التجريد الجديد والتعبيرية الجديدة والواقعية المفرطة وغيرها من التصوّرات المطوّرة للمدارس الأساسية في الفن وقد تمّ التعبير عنهم بالمجدّدين Neo.
*أشرف فواخري
قام فنانو ما بعد الحداثة بخلق الكثير من التمشيات الجديدة والكثير من الجدل والفوضى حول عدّة قيم منها التقنية والجمالية التي خرجت من كل قواعدها الحسية نحو التصورات الماورائية للإحساس والتفاعل والتمادي في خلق الصدمة والجرأة والتمرّد على كل الثوابت الحسية والمعرفية.
*ليلى الشوا
الفنون المعاصرة: فن ما بعد الحداثة
ورغم أن الكثير من النقاد أمثال “كليمنت جرينبيرج” و”فيليكس جواتاري” عبّروا عن مسمى مرحلة ما بعد الحداثة بـ”النفس الأخير للحداثة” أو ابتكار للحداثة في نهاية حياتها إلا أن الفكرة ظلّت محلّ جدل خاصة عند طرح التجارب الجديدة والتعامل الحسي والفني والمعنوي معها، ليقع الجدال على أن هذه المرحلة هي نقطة عبور حقيقية ومختلفة، وهو ما أكّده الباحث “فرانسوا ليوتارد” الذي يعدّ مؤرّخا لما بعد الحداثة وتطوّراتها وما لحق بهذا المصطلح من خفوت واندثار وعودة وتفاعلات حسيّة عايشت عصرها الحالي من خلال العولمة وتطوّر التقنيات والتصوّرات الرقمية.
*ماري توما
تبدو التفاعلات الفنية في أعمال ما بعد الحداثة مشكّلة بأساليب مختلفة مثل الافراط في اللون أو تعمّد تشويه الأشكال في النحت أو اعتماد خصوصيات التقنيات بالفيديو في إثارة الأداء والتمازج والاجتماع الفني والتماهي معه من أجل بلورة المدى الحسي والنفسي والعبثي بلا معنى واضح ولكن بالكثير من الدلالات والمدارس والانقسامات والتعابير والاقتباسات وبالجمع بين الكل والتضاد معه في نفسه الوقت. وهي المفارقة التي مكّنت من خلق التفرّد والمزيج بين الثقافة العالية والتجريب أوالمغامرة عند التجريب وبين كسر النمطية أو تجسيد الفوضى أو صنع الصدمة والصدام وهنا تكاثفت الأعمال وتوسّع فضاء التعبير عند الفنان بحرية غير ملتزمة بقاعدة أو قيمة وهو ما جسّد نوعا من اللاتوازن البصري الذي خلق فنا هزيلا ومنخفض المقاييس كما خلق أيضا فنونا هابطة وبلا قيمة بصرية جمالية فنية في سياقاتها ومنجزاتها.
*راجي الكوك
الفنون المعاصرة: التجلي والابتكار الفني
ورغم أن الحرية البصرية التي خلقتها فنون ما بعد الحداثة والفنون المعاصرة في البحث والابتكار والتجلي الفني الإنساني كان لها فضلها ودورها في خلق حركية فنية وبصرية وجمالية ومساحات تعبير كثيفة وصدمات وجدل حرّك مستوى كسر النمطية التعبيرية وضرورة البحث عن منافذ جديدة قادرة على التعبير إلا أن الجدل يظلّ قائما عند كل تجربة وعمل.
الفنون المعاصرة: مسارات التنوع بين الجمالي والقيمي والمستحدث
أما بخصوص التجربة العربية فقد عايشت التباين المتنوّع على مستوى التجارب بين الجمالي والقيمي والمعاصر والمستحدث فكان للتواصل الفني البصري الكثير من التجاذبات التي بدورها خاضت في كل هذا الجدل خاصة وأن التجارب العربية كانت تلتقط كل جديد وتتفاعل معه بخلق خصوصيات ذاتية واختلافات تعبيرية.
*سوزان كلوتز
الفنون المعاصرة: معالجة الجماليات وفلسفات التجديد
فالتجارب البصرية العربية لم تقف عند التصورات الفنية المألوفة في معالجة فكرة الجماليات وفلسفات التجديد ولكن عند البحث عن منافذ التعبير الوجودي والفكري عنها بحمل قضاياها وخصوصياتها والانتماء للجغرافيا والتاريخ والذاكرة في ظل التداخلات بين الواقع والأحداث العاصفة والمختلفة على مستوى صياغة الوعي بالفن والانسان، في عدة مستويات لم تقف عند جدلية الجميل والقبيح بل المعبّر القادر على أن يصل صيغا ودلالات.
*الأعمال المرفقة:
متحف فرحات الفن من أجل الإنسانية
Farhat Art Museum Collections
Leave a Reply