في كل القضايا العادلة والإنسانية في العالم وعبر التاريخ لا يخلو المشهد العام فيها من نساء غزلن طرق الانتظار والترقب بالدمع والحنين بالمقاومة والصمود، بالإيمان العنيد بالحق الحقيقي الذي يفرض تغيّر الحكاية من مجرد صورة وعلامة ورمز مجرّد إلى الحكاية نفسها.
\
وهذا هو المشهد الذي ميّز قصصا ألّفها الظلم وسردتها المعاناة وأدّتها كل النساء اللاتي فرض عليهن واقعهن أن يصرن أيقونات للصبر والتمرّد الذي بات له اسم تماثل مع حكاية كل من “أم حسين” وأم عزيز” و”أم حسيب”.
“أم حسيب” رحلت عن الحياة منذ أيام ولكنها لم تحد يوما عن هدفها في البحث عن ذاتها في قضية الانتصار لأبنائها والمطالبة لهم بالحرية والحياة ولكل الأسرى والأمهات اللاتي يربين الأمل رغم كل الحسرات.
*أم حسيب بري
فهي مثلها مثل الأخريات بحثت عن منفذ يصل بينها وبين أبنائها وبينهم وبين العالم كقضية تنتصر للأسرى والشهداء والمقاومين بين الماضي والحاضر والمستقبل في علاقة مع الأزمنة استطاعت أن تحمل شكلا فنيا كان له صداه وحضوره في مخيال العديد من الفنانين بأسلوب تعبيري وتجريدي وسريالي ذهب بعيدا في تأمل القصص ومعايشتها خاصة وأن المصورين الفتوغرافيين بدورهم اقتنصوا مع الصورة الإحساس ومع الملامح الاستشراف ومع المشهد الأمل.
حتى تكون الصورة توثيقا لأحداث لم تمرّ ولم تنته بل بقيت ببقاء القصص العالقة التي عتّقتها الآلام وزاد فيها الانتظار عنادا وتحوّلت من قصص تُروى إلى أحداث تُعاش يوميا ومع كل مناسبة تعود لتظهر من جديد دون أن تفقد بريقها الثائر وإشعاعها الصادق.
إن حضور السيدات في هذا التصور الفني لم يلغ الواقع الأساسي من وجودهن في القضية فهن القضية والأساس الأول لحضورها في المقاومة المستمرة التي اختارها الفنانون بدورهم ليستمروا في خلق رمزية لها صدقها، بحيث باتت الأبقى على عدّة مستويات من حيث الصورة والتصوّر والعلامة التي جعلتهن مستمرات في الذهن والبصيرة.
*صالح الهجر
فالتصورات التشكيلية في التعبيرية والواقعية والرمزية والحروفية التي صاغها العديد من الفنانين انتقتها رؤاهم بدقة ورمزية كانت فيها السيدات علامة تكوّنت فيها المحاكاة للفراغ في المنجز الفني، أثارت المفاهيم بصخب لم يحملها جسدا بل روحا انتشرت في الأرض وتماهت معها وانتمت لها بجذور ثابتة.
*أسامة دياب
فالقصص التي تبنينها تبدو متشابهة مع عدّة قصص أخرى في هذا الشرق المحمّل بالألم واقعا وذاكرة ولكن الإصرار الذي حملنه لم ينته مع تلك السنين التي بات فيها الأمل مجرد سراب وغابت فيها أجسادهن والتحقن بدورهن بالأمل الباقي أثرا وتأثيرا.
*منير العيد Mounir Alied
ليصبحن حضورا واحدا في العمل التشكيلي بين الواقع والرمز وبين التعبيرية والسريالية التي وصلت بعيدا في التنفيذ المفاهيمي للعمل الفني، من حيث الصورة وتجريدها ومن حيث العلامة وتركيبها فبين اللون واللون كانت الحكاية أصلا بصريا ثابتا في أرضه وتحوّلت الخطوط إلى صراع متصاعد في الأمكنة وعبر الأحداث التي تتالت وتعقّدت وارتسمت من خلال كل حضور بصري صاغه فنانو مجموعة فرحات أو الفنانون الذين تبنوا بالعموم رمزية المرأة وصداها في فرض المقاومة والانتصار للحق في الوطن.
إن أم حسيب التي غادرت الحياة من أيام وأم عزيز التي سبقتها ليستا إلا أيقونة للصبر والعناد والاستمرار في صناعة المثال الحقيقي للحياة والبحث العادل عن مكان آمن للمحبة للسلام.
فالإلهام الذي كوّن مشاهد البحث عن مكامن التعبير الإنساني في الأعمال الفنية فجّرته الحكايات الباحثة عن الأمل وسط مشاهد مزدحمة بصداع الأوطان الباحثة عن أبنائها في السجون والمعتقلات بكثافة حاولت الألوان أن تستدرج منها النور في عمق القتامة والضوء الضائع بين الظلال حيث تبادلت النساء الأدوار فبين النساء اللاتي تشكّلن في اللوحة وبين نساء الحقيقة رؤى ومحاولات أثبتت صدى الحضور وانطلقت بذاتها نحو المتلقي لتعطيه فرصة المعايشة والتفاعل مع قدرة الفن في نقل جزء من الواقع بموقف انساني.
الأعمال المرفقة:
متحف فرحات الفن من أجل الإنسانية
Farhat Art Museum Collections
Leave a Reply