في اللوحة يكتشف الفنان عوالمه وفضاءاته ويستطلع طريقه الأعمق الذي يقوده نحو مغامرة شيّقة التفاصيل والملاحم في مواسمها العاصفة والهادئة وفي توقعاتها الأكثر جمالية وابتكارا، وهذا الابتكار لم يكن من فراغ الزوايا ولا من امتلاء المعنى بل من توازنها معا من خلال اعتماد الخامة بين الريشة والقلم والفرشاة ومزجها مع الخط العربي بروح إسلامية لها انفتاحها الحر على كل الثقافات واطلاعها الذي أكسبها تناغما بين الفني والجمالي بين الثائر والباقي وهذه هي الخصوصية برع في تقديمها التشكيلي والفنان المفعم بالألوان والخطوط حسين يونس.
هو تشكيلي حروفي وخطاط لبناني حاصل على شهادة إنهاء المرحلة العليا في خط “النستعليق” من إيران تميّز بهذا النمط وبرع في توظيفه تشكيليا حيث أكسبه توافقات بصرية تفاعلت مع جماليات اللون في المساحة ومع الابتكارات المفهومية للوحة الحديثة والمعاصرة فاكتسبت روحا تعبيرية إسلامية تمازج فيها الواقعي مع الصوفي بين اللغة والمعنى والحرف والألوان ومفاهيم الكتل والأحجام والفراغ.
عند إنجاز اللوحة يعايش حسين يونس الفكرة في النص ويطلق خياله باندفاع حيث يترك لحروفه الحركة فتنطلق بدورها باحثة عن المعنى المتماثل مع المجاز لتقوم بترويض الخط وهندسته ليصل مداه الفني متآلفا مع عمقه الجمالي التشكيلي.
وهو ما يدّ على أن الفنان استطاع أن يكتسب خبرة منهجية وتجريبية جعلت لحروفياته خصوصية نهجت طريقها نحو الفن بخصوصياته المتفرّدة فسارت به أبعد في عمق التجلي الروحاني التي لا تشبه إلا ذاته الواقعية والحالمة والعنيدة أيضا في ابتكاراتها فكانت نقية في توظيف مدركاته وفية لجمالياته عند ابتكارها لمنافذ التجديد.
وهنا كانت له قدرته الفعالة التي منحته جرأة استدرج بها المتلقي من جديد نحو عوالم الأدب والشعر والحكمة وتطويعها بانسيابية حملته نحو طاقة مختلفة تشبه عصرها الحالي تمكّنت من أن تخرجه من الكلاسيكيات العامة للحرف والخط العربي الاسلامي نحو اكتساب أدوارا تعبيرية عميقة تفاوتت في توظيفاتها الإبداعية التي منحتها دهشة التعايش المستمر مع إيقاعها لونا وخطا ومعنى وقراءة.
فهو يتقمص معها دور الابهار ويستمر بها في سحب طاقتها نحو توافقاتها الموضوعية والحسية التي تتجادل مع المفردات بانطلاقات حرة تنساب في الفراغ وتتوزع بأكثر تفاوت وأعمق تعبيرا ليصبح لها موقفها البصري من المعنى المختار في الكتابات، وبالتالي يوازن بين البناء الشكلي والمعنوي ويضيف عليه دلالات تعبيرية بصرية جديدة ومتفرّدة لها قيمها الفنية والجمالية.
خاصة وأنه يحرص على اختيار اللون الأساسي الذي يحتوي الفكرة والنص ويبدع في مزجه وتفجير طاقاته التي تستميل بقية الألوان إلى ذلك العالم الجميل الذي يؤسّسه بحروفه وعناصره.
فقد كسر حواجز المألوف من خلال الحرف ليكون المنافذ التي اعتمدها ليصل إلى مقاصده البصرية من ترويض الحرف على إيقاعه وفق الرؤية التي مكّنته كذلك من خلق صياغات جديدة تعالت على الصور النمطيّة التي يخزّنها المتلقي عن اللوحة الحروفية أو اللوحة الخطية من حيث العمق والتشكيل والإيقاع والتناغم والحرف والعناصر ومداها المتوافق مع الحركة.
إذ تبدو تلك الحركة في العمل المنجز ضرورة بصرية لها قيمها التزيينية سواء في الفضاء أو في الحجم أو التمازج اللوني والضوئي واختيار الأبعاد والزوايا وهندستها معا على إيقاع الخيال والإحساس بالاتكاء على المخزون الجمالي للحرف العربي والارث البصري بروحانياته التي لم يقيّدها بقواعد الخط بل استضافها نحو عالم التشكيل بجرأة بصرية وجماليات استطاعت أن تخلق أحاسيس متنوعة لفنان أبدع في خلق حوار بصري فني جمالي معتّق.
*الأعمال المرفقة:
متحف فرحات الفن من أجل الإنسانية
Farhat Art Museum Collections
Leave a Reply